أهمية الصناعات الصغيرة في تحقيق التنمية الاقتصادية
د . محمود الخالد
لا يوجد معيار موحد ولا تعريف محدد للصناعات الصغيرة. فالبعض يحددها باستخدام معيار العمالة. وتكون المنشأة صغيرة إذا كان يعمل بها أقل من خمسين عاملاً. والبعض الآخر يحددها بناء علي حجم رأس المال المستخدم والذى يكون عادة بسيطاً. وآخرون يحددون مفهوم الصناعات الصغيرة باستخدام معيار التقدم التكنولوجي حيث يستخدم في الصناعات الصغيرة عادة العمل اليدوي مع الاستعانة بآلات وأدوات بسيطة في الغالب. كما توجد معايير أخري متعددة مثل مستوي التنظيم، درجة الانتشار، مستوي الجودة، وكمية أو قيمة الإنتاج . وتمتلك الصناعات الصغيرة والريفية إمكانيات كبيرة لتحقيق أهداف استراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مراحلها المختلفة. ففا المراحل الأولي من تنمية الصناعة، والتي تكون فيها الندرة لرأس المال والوفرة للعمالة، فإن الصناعات الصغيرة لها إمكانيات كبيرة للإسراع بعجلة تنمية قطاع الصناعة، كما أن لها دوراً هاماً في تطوير الريف، مما يساعد علي إزالة التناقض بين القرية والمدينة . وتتضح أهمية الصناعات الصغيرة من النواحي التالية :
-تعظيم الناتج الصناعي وفرص العمالة : حيث يعتبر تعظيم فرص العمالة المنتجة والناتج الصناعي من الأهداف القومية، والتي تتوقف علي معامل رأس المال ومن ثم رأس المال المستثمر للعامل. فكلما كان معامل رأس المال ومن ثم معامل رأس المال المستثمر للعامل مرتفعاً، كلما كان الناتج الصناعي والعمالة المحققة، باستثمار مبلغ معين، أقل؛ وذلك بالمقارنة إذا كان معامل رأس المال المستثمر منخفضاً. ولما كانت الصناعات الصغيرة تتسم بكثافة المستخدم من عنصر العمل وضآلة رأس المال المستثمر للعامل، فإنها تكون لديها القدرة علي تعظيم العمالة والناتج الصناعي واستيعاب العمالة الزائدة في الريف .
- توفير السلع الاستهلاكية اللازمة للمجتمع الريفي : إذا تم تدعيم الصناعات الصغيرة، لأمكنها ذلك من توفير السلع الاستهلاكية التي تغطى معظم احتياجات المجتمع الريفي، ويكون ذلك بمد هذه الصناعات بالمساعدات الفنية والإدارية والاقتصادية اللازمة لمقوماتها الأساسية. وفى مرحلة تالية يمكن تعديل برامج إنتاج الصناعات الصغيرة طبقاً لاحتياجات الأسواق الخارجية، وبما يتفق وأذواق ورغبات المستهلك الخارجي مما يجعلها صناعات مؤهلة للتصدير .
- تعظيم الفائض الاقتصادي للمجتمع : من المعلوم أن اقتصاديات الدول النامية تتصف بانخفاض معدلات الادخار المحلى، مما أدي إلي زيادة اعتمادها علي التمويل الخارجي وتزايد عبء المديونية عليها. ولا يمكن لهذه الدول أن تحقق معدلات نمو طموحة إلا من خلال مصادر تمويلها الذاتية، مما يتطلب منها تعظيم الفائض الاقتصادي. ولا يكون ذلك إلا باستثمار مبالغ معينة. وإذا ما كان الفائض الاقتصادي للعامل في المنشآت الصناعية يتوقف علي إنتاجية العامل وأجره وذلك حسب أحجام المنشآت المختلفة، فإن هذه المنشآت الصناعية الصغيرة لديها القدرة علي تعظيم الفائض الاقتصادي للمجتمع لأن رأس المال المستثمر فيها يكون بسيطاً وكذلك أجر العامل، بينما إنتاجيته عالية .
- تنمية الريف وتنمية الصناعات التقليدية : تتمتع عملية التصنيع بصفة عامة بديناميكية خاصة، بخلاف الصناعات الاقتصادية الأخرى لما ترتبط به من علاقات جذب أمامية وخلفية مما يجعل التصنيع يتمتع بآثار جذب قوية يمارسها علي بقية أجزاء الاقتصاد القومي. وبالتالي ارتبط تحضر المدن بتصنيعها، حيث توجد علاقة قوية بين التصنيع والتحضر. ووجود الصناعات في الريف يؤدى إلي تحضره وتطويره. كما أن وجود الصناعات الصغيرة يؤدى إلي التدريب علي فنون العمل المختلفة وخلق العمالة المدربة علي فنون التكنولوجيا الحديثة في الإنتاج وكذلك تكوين الكوادر الإدارية المدربة وظهور الكفاءات العالية مما يؤدى إلي تطوير الصناعات التقليدية .
- التكامل مع الصناعات المتوسطة وكبيرة الحجم : بما أن الصناعات الصغيرة تتكامل مع الصناعات المتوسطة وكبيرة الحجم في عملية التنمية الصناعية والاجتماعية، فإن ذلك يحقق نمواً سريعاً للصناعة .
- استخدام الموارد : تساهم الصناعات الصغيرة في استثمار الموارد الأولية الموجودة في بعض الأماكن وتقوم أيضاً بتصنيع بعض مخلفات المصانع الكبيرة التي قد تهدر . وبالتالي فإن الاهتمام بهذه الصناعات الصغيرة يعتبر استغلالاً للمزايا النسبية للأقاليم المختلفة، بالإضافة لما تتميز به من سهولة فى تطويرها وفقاً لاحتياجات السوق، وبساطة رأس المال، وسهولة الانتشار الجغرافي وتلافى مشكلات التركيز، والاحتكار وبعث المنافسة النافعة علي نطاق واسع .