في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة أزمات لا سابق لها وأخطرها الإرهاب الذي أتى على كل شيء وما رافقه من محاولات مستميتة من قبل بعض الأنظمة العربية لإيجاد المبررات له، انعقدت القمة العربية على شاطئ البحر الميت، بحضور أمراء وملوك ومشايخ إمارات النفط والغاز في الخليج، وبغياب سورية الدولة المؤسسة لجامعة الدول العربية، التي عُلقت عضويتها بقرار من أنظمة مرتبطة حتى النخاع بكيان العدو الإسرائيلي، خطفت الجامعة وقرارها والأهداف التي وجدت من أجلها أصلاً. علما أن سورية أكدت أنها ليست حتى بوارد التفكير بالعودة إلى الجامعة العربية طالما بقيت رهينة لهيمنة أنظمة معروفة بتآمرها على الأمة وتتحمل المسؤولية عن حالة التشرذم والانقسام في الصف العربي الأمر الذي يجعلها أبعد ما تكون بل وعلى تناقض تام مع مقاصد أهداف ميثاقها.
القمة المسماة عربية لم تتطرق مطلقاً إلى الجرائم التي يرتكبها النظام السعودي ضد أبناء الشعب اليمني والتي أدت إلى مقتل عشرات آلاف المدنيين وتدمير البنية التحتية لليمن، ولم تشر نهائياً إلى ما يرتكبه نظام آل خليفة في البحرين ضد المطالبين بالعدالة الاجتماعية وتحسين أوضاعهم الاقتصادية وعمليات الزج في السجون للآلاف منهم وسحب الجنسية عن الكثيرين من أبناء البحرين الشرفاء، بل ذهب المشاركون في تلك القمة إلى أبعد من ذلك عندما تناسوا أنهم شرعوا للناتو غزو ليبيا التي دخلت منذ العام 2011 حالة من الفوضى والدمار وهي مستمرة حتى الآن، حتى أن بعض الأنظمة الخليجية المرتهنة للغرب وإسرائيل شاركت بشكل مباشر في العدوان على الشعب الليبي.
القمة الأخيرة عكست بشكل كبير واقع حال بعض الأنظمة العربية خصوصاً في الخليج، والتي تشتغل بأمر عمليات من دوائر الإرهاب العالمي في الولايات المتحدة وإسرائيل وعدد من الدول الأوروبية، وعملت بكل السبل لتمزيق الصف العربي وزرع الفرقة والشقاق بين العرب، بل ذهب بعضهم إلى حد التآمر على القضية الفلسطينية ومحاولة تصفيتها ومنع الشعب الفلسطيني من الحصول على حقوقه الوطنية المشروعة، وقامت تلك الأنظمة بفتح علاقات علنية مع كيان العدو الإسرائيلي وصلت إلى حد التحالف والتآمر معه على الشعوب العربية والمقاومة ودعمت الإرهاب في سورية قلب العروبة النابض التي وضعت قضايا الأمة العربية في مقدمة أولوياتها وقدمت في سبيل ذلك عشرات آلاف الشهداء دفاعا عن كرامة العرب.
خرجت القمة بخفي حنين، ولم يتفاجأ أحد بذلك، ولم يتوقع أي عاقل أن تخرج قمة كهذه بأي قرارات تصب في مصلحة الشعوب العربية وقضاياها العادلة، بل استمرت في حالة الاستكانة التي يعرفها القاصي والداني، وحاول بعض الحاضرين من أمراء ومشايخ الترويج والتسويق للإرهاب في سورية بعد أن دعموه ومولوه وسلحوه في محاولة لتدمير سورية.
لم يتجرأ أحد في تلك القمة على قول كلمة حق واحدة بخصوص ما يجري في سورية وحجم الجرائم التي ارتكبتها التنظيمات الإرهابية المدعومة من السعودية وقطر والأردن بحق الشعب السوري وبنيته التحتية، بل سجل كل واحد منهم حضوره واكتفى بذلك.
لقد أطلق البعض على القمة تسمية "قمة النيام" تندراً بمظهر العديد من الرؤساء وهم يغطون في نوم عميق أثناء الاجتماعات وهذا ما يعكس حال "الجامعة العربية" التي تغط في سبات أبدي، وتصحو عندما تأتي من ارتهنها الأوامر لينفذ، وهذا هو الدور المرسوم والمحدد لهم فقط.
"القمة العربية" كانت مناسبة للقاءات والمصافحات والصور التذكارية، أما ما دار في الغرف المقفلة فقد يكون استكمالاً لفصول التآمر على سورية والمنطقة بكاملها، ويبدو أن بعض العربان لم يتعظ من الدرس بعد ولم يقتنع أن رهانه على الإرهاب فشل بشكل كامل، وأن سورية انتصرت بصمود شعبها وبطولات جيشها وحكمة قيادتها.