رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال: جمال القادري
شهدت سورية خلال مسيرة التطوير والتحديث إصدار مئات المراسيم والقوانين التي جاءت لترتقي بما سبقها من تشريعات وإحداث نقلة نوعية في مختلف مناحي الحياة , وبما يلبي الطموح ويواكب ما حصل من تغيير شهدته القطاعات المتنوعة على جميع الصعد .
فنحن نمتلك أرقى القوانين والتشريعات شكلاً ومضموناً , لكن عانينا سابقاً ونعاني حالياً من جزئية ونقص التطبيق بما يعطي في أحيان كثيرة نتائج عكسية أو مشوهة , لروح النص الذي وضع بالأساس للقيام بوظيفة تطويرية أراد المشرع من خلالها تحقيق نقلة نوعية في المجال الذي شرع فيه , لا أن يتم تفريغ القوانين وقراءاتها من زاوية واحدة أو بعين المصلحة للبعض القليل .
وبمنطق الحقيقة الواقعية يمكن القول إنه عندما نطلع على منظومة القوانين الناظمة لعمل المؤسسات والوزارات والتشريعات التي تقونن واقع المؤسسات والعاملين فيها من ناحية الحقوق والواجبات وكل ما يتعلق بيوميات عملهم تتكون لدينا رؤية مشبعة بالايجابية والتفاؤل بالمستقبل ولا سيما أن هذه المنظومة وضعت منذ سنوات تحت مجهر المراقبة والتعديل المستمر لتواكب أرقى التشريعات المعمول بها ولتلاءم ما بين الواقع الفعلي وحركة المتغيرات بمختلف أشكالها الإصلاحية لتحقيق حاضنة تشريعية متطورة وقادرة على تكوين بيئة عمل محفزة للمبادرة والابداع وضامنة للعدالة بين الجميع , إلا أن القصور يبقى في آليات وطريقة التطبيق والشروحات والتفسيرات المختلفة التي تقدم أحياناً للنص الواحد الذي يأتي في أحيان كثيرة باوجه متعددة .
فمن الضروري أن تكون القوانين على أنواعها المختلفة محققة للربط والجمع بين الجانب التنظيمي من جهة والجانبين التنموي والاجتماعي من جهة أخرى , لا أن يطغى جانب على آخر بل يجب أن تكون متكاملة ومحققة للهدف الذي وضعت من أجله .
وهنا لا بد من الإشارة إلى طريقة تقييم الأداء والترفيعات السنوية التي تبتعد قليلاً عن الغاية المرجوة منها باعتبار أنها تحكمها تغليب الجانب الاجتماعي والاحتكام للقمة العيش على حساب مصلحة العمل حيث تتساوى التقييمات وتختلط الأوراق وتسقط قيم العمل الصحيحة بعد أن يوضع العامل المجد والملتزم مع المتسيب وضعيف الأداء في خانة واحدة والجميع يتم ترفيعه بالنسبة نفسها تقريباً .
بكل ثقة نستطيع القول إنه لدينا منظومة قوانين وتشريعات تضاهي ارقى القوانين في معظم دول العالم , ولكن ليس لدينا بيئة عمل حقيقية وهذا ما نسعى إليه كنقابات عمالية بالتعاون والتنسيق مع الجهات المعنية , وقد بدأنا فعلاً باتخاذ خطوات حقيقية في هذا المجال وفي مقدمتها تصويب التقييمات أياً كانت أهدافها , والبداية كانت مع ورشة العمل حول تعديل القانون رقم /50/ للعام 2004 وضرورة تغييره بما يضمن تحقيق قفزة خلاقة في مجال التنمية الإدارية وتطوير الوظيفة العامة ويكون مكتملاً تنظيمياً ويؤدي دوره التنموي بكل أبعاده , ويسهم بطبيعة الحال بتطوير بيئة العمل ونوعيتها , ويضع الأمور في نصابها فالكل يجب أن يعرف ما له وما عليه فلا بد أن ننطلق ولو متأخرين من نظرية ( الواجبات والحقوق ) .
أمر مهم ومبدئي أن يكون القانون مفتاحاً جامعاً شاملاً يحقق التطوير المنشود ويقوم على النزاهة والشفافية في كل بنوده ويسهم بخلق فرص عمل وتحسين الواقع الاجتماعي والمعيشي , وبالمحصلة يعم شعور إيجابي بالاعتزاز بالوظيفة العامة باعتبارها رافعة حقيقية للوضع الاجتماعي للعمال على امتداد ساحة الوطن .
أي قانون أو تشريع لا يحقق معادلة ( الجانب التنظيمي – الجانب التنموي – الجانب الاجتماعي ) ويجمعها في بوتقة واحدة يبقى قاصراً عن أداء دوره التطويري الذي وجد من أجله في سياق الجهد المبذول لتطوير وتحديث مجمل الواقع وفي شتى المجالات .... وبكل الأحوال نحن بحاجة إلى تطوير بيئتنا التشريعية بشكل يواكب حجم الصمود والتضحيات والبطولات التي قدمها الشعب السوري وجيشه الباسل خلال تصديهم للإرهاب , وتعكس بشكل أو بآخر بشائر النصر الكبير على الإرهاب بمختلف أشكاله وأنواعه والذي استهدف وطننا ومواطننا والبنى التحتية للدولة .
تبقى الوظيفة العامة والمبادىء التي تحكمها " قاصرة " عن أداء دورها المرجو ما دامت هناك نواقص في تطبيق القوانين التي شرعتها , وعدم فهم لمضامينها التي تهدف في المقام الأول إلى الارتقاء بطبيعتها وبمن يقوم بها , فهل نبدأ بتصحيح ما اعتدنا على الخطأ به ..؟ ولو عن معرفة .