"النقل" كلمة قليلة في عدد حروفها وسهلة النطق على أفواه الجميع، لكن مضمونها وأعبائها احنت ظهور الكثير من المواطنين وأفرغت جيوبهم في ظل الظروف المعيشية الحالية الصعبة التي يعيشها المواطنون منذ ما يقارب السبع سنوات ،حيث بات الهم الأكبر للكثيرين البحث عن حلول تخفف من صعوبات الحياة من تأمين مادة المازوت خلال فصل الشتاء وتأمين لوازم الأسرة الكثيرة مع اقتراب كل فصل من فصول السنة إضافة إلى المعاناة في تأمين المواصلات حتى لا يقضي المواطن نصف يومه بحثاً عن وسيلة نقل حتى يصل إلى بيته.
معاناة يومية
مجموعة من المسلمات فرضت على المواطن أن يؤمن بها خلال الظروف الحالية منها تحمل عناء التعب الذي يتكبده من أجل إيجاد وسيلة نقل توصله إلى بيته أو مكان عمله، حيث بات المواطن يمضي يومه في الشوارع راكضاً وراء الباصات والميكرو باصات ليصل إلى أقرب نقطة من الوجهة التي يقصدها ،فقال أحد سكان "مساكن الحرس" في دمشق إن الوقت الذي نستغرقه للوصول صباحاً إلى قلب مدينة دمشق يمكننا أن نصل به إلى محافظة أخرى كالسويداء أو حمص مضيفاً أنه يتحتم عليك النزول إلى عملك قبل ساعتين أو ثلاثة حتى تصل في الموعد المحدد.
أجور مرتفعة
بعيداً عن المعاناة في إيجاد "سرفيس" والتي تشبه رحلة ابن بطولة الطويلة الزمن ، يتفاجأ الكثير من المواطنين عند إيجاد السرفيس بارتفاع الأجور والتسعير كما يحلو للسائق دون رقيب أو حسيب يرى تسعيرته فما كتب على واجهة السرفيس من تسعيرة المرور يختلف عما يطلبه السائق بمبالغ ليست بالقليلة على المواطنين الذين يتحملون الكثير في ظل الظروف المعيشية الصعبة .
فخلال جولة على وسائل النقل اشتكى أحد المواطنين القاطنين في جديدة عرطوز بريف دمشق من ارتفاع الأجور مساءً وصباحاً حتى أن الزحمة تكون في أوجها ويضطر المواطن للركوب بأي طريقة من أجل الوصول إلى عمله.
المواطن بين حدين
مع تعذر إيجاد وسيلة للنقل في ساعات الذروة عند الذهاب إلى الدوام أو عند العودة إلى البيت يقع المواطن تحت رحمة سائقي التاكسي ،الذين يفرضون التسعيرة التي يرغبون بها، وبين مطرقة الباص وسندان التاكسي التي تحتاج إلى راتب من أجل تغطية نفقاتها وأجورها يتساءل الكثيرون عن سبب إهمال الجهات المعنية لهذه المشكلة؟!
من المسؤول
"ما معك فراطة لا تطلع " و"ماني واصل لآخر الخط" مجموعة من الكلمات والجمل التي أصبح المواطن يسمعها قبل الركوب في أي وسيلة نقل أو يضطر المواطن إلى المشاجرة مع أصحاب السرافيس بسبب هذه الكلمات ،ربما يحترم السائق نفسه ويعامل المواطنين بكل احترام وأخلاق فهو لا يمننهم بالتوصيل المجاني وإنما يؤخذ أجرته وأكثر.
ويتساءل المواطنون هل من المعقول أن يبقى أصحاب التاكسي والسرافيس متحكمين بالمواطن بحسب أهوائهم ومن المسؤول عن تأمين "الفراطة" هل المواطن أم السائق أم مصرف سورية المركزي؟!
يضاف إلى هذه المشكلة أيضاً مشكلة ليست بالجديدة وهي تلف الكثير من الأوراق النقدية المتداولة وخصوصاً من فئة خمسين ليرة سورية المطلوبة بكثرة، الأمر الذي سبب مزيداً من الخلافات والجدالات بين السائقين والمواطنين!!
مو محرزة
يبدو أن جشع أصحاب السائقين والتاكسي وتغاضي الجهات المعنية والرقابية عنهم بسبب وجود بعض ضعاف النفوس أدى إلى المزيد من تحكم السائقين بالناس ،فأصبح السائق يأخذ زيادة وعلى عينك يا مواطن دون أن يكترث لشي وكأنما هو من وضع التسعيرة.
سكان حي المزة 86 مدرسة أكدوا أن الأجرة بحسب التسعيرة التموينية المكتوبة على السرفيس 40 ليرة لكن قلة السرافيس أدى إلى تحكم السائق في التسعيرة، فعندما يدفع المواطن للسائق 50 ليرة ويطالب بالعشرة المتبقية يصب السائق جام غصبه على الركاب ويبدأ بالحجج الواهية كالادعاء بارتفاع أسعار المازوت والانتظار الطويل لساعات على محطات الوقود إضافة إلى أن كمية الوقود المخصصة غير كافية مما يضطرهم لشراء مازوت حر بثمن عال.
وقد بين هيثم الميداني عضو المكتب التنفيذي لشؤون النقل في محافظة دمشق أن مخصصات السرفيس تكفيه للعمل يومياً من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثامنة مساءً دون توقف وكل من يدعي بأن المخصصات لا تكفي مجرد تبرير لجشعه ومحاولة استدرار عواطف الركاب.
حجج واهية فهل المواطن هو المسؤول؟
يبرر سائقو الميكرو باصات المبالغ الإضافية التي يأخذونها من الركاب فوق التعرفة الرسمية بانعكاس غلاء المازوت، فصيانة أو إصلاح أي عطل أصبح يكلف مبالغ كبيرة حسب قولهم.
أما حجة سائقي التكاسي فدائماً جاهزة: الطريق أصبح يستغرق وقتاً طويلاً، والطلب الواحد داخل مدينة دمشق قد يستغرق ساعة أو ساعتين، وتكاليف ترسيم السيارة مرتفعة وفي الفترة القادمة يمكن أن ترتفع أكثر، كما أن أجور الصيانة وقطع الغيار باتت بأسعار مضاعفة، هذا عدا معاناة الحصول على البنزين إضافة إلى مجموعة من الحجج الواهية التي يفترض على المواطن تحملها وكأن لا علاقة لصاحب السرفيس أو الجهات المعنية دخل بها.
مشروع تكسي سرفيس
لم تغفل الجهات المعنية أي أسلوب جديد من أجل زيادة الأعباء على المواطنين في ظل هذه الظروف المعيشية الصعبة فبدأت العمل بالقيام بإنشاء منظومة تكسي سرفيس منذ ثلاث سنوات دون أن تشرك آراء الناس في الموضوع وهل من الممكن تقبل هذا الموضوع في ظل هذه الظروف وخصوصاً أن أجرتها لن تكن بالقليلة، إضافة إلى عدم إشراك أصحاب التاكسي في هذا القرار الأمر الذي انعكس سلباً على أعداد السائقين الذين تقدموا للتسجيل بالعمل على هذه المنظومة ، فتذمر الكثير من المواطنين من هذا الموضوع، فقال أحد المواطنين متلها متل السرفيس شو الفرق بس زيادة الأجرة دون تحقيق أي مكسب سواء بعامل الوقت أو السرعة فالازدحام كما هو عليه في الحالتين.
وأوضح الميداني أن قرار عمل منظومة تكسي سرفيس جاء من أجل التوفير في عامل الوقت للناس إضافة إلى تخفيف الازدحام من وقوف التاكسي في الكراجات وأماكن الانطلاق.
باصات النقل الداخلي.. فوضى عارمة
اضطرار الناس في كثير من الأحيان إلى الركب بباص مليئاً بالركاب وعدم وجود حدود لجشع مالكي باصات النقل الداخلي أحدث فوضى عارمة في أعداد الركاب بباص النقل الداخلي فبدلاً من أن يكون عدد الركاب بحدود 40 راكبا أصبح أكثر من 70راكبا في الرحلة دون الالتفات إلى الخطورة التي من الممكن أن تلحق بالمواطنين .
إذا لم يعجبك .. انزل!!
أصبح سائقو الميكرو باصات يعتقدون أنهم يتفضلون على الركاب عند توصيلهم وكأنهم يوصلون الركاب مجاناً، ويصر بعض السائقين على إنزال الراكب من السرفيس دون إكمال خط السير لنهايته، فعدد كبير من ميكرو باصات المزة وخصوصاً مزة 86 خزان على سبيل المثال، والتي يفترض أن تصل إلى البرامكة، تنهي خطها في الشيخ سعد، كما أن ميكرو باصات جادات سلمية التي يتوجب عليها الوصول إلى شارع الثورة، ينهي بعضها رحلته في ساحة عرنوس، فيما تصل جرأة البعض برحلة قصيرة لا تتجاوز العشر دقائق من موقف السلمية إلى موقف شورى فقط !!
ويصل بعض ميكرو باصات خط الدوار الشمالي إلى ساحة المواساة فقط حيث يرفض بعض السائقين توصيل طلاب الجامعة من موقف الآداب على أوتوستراد المزة ويكتفون بجملة "طالع ع المواساة بس"!
أما بالنسبة لميكرو باصات مهاجرين صناعة فيشترط بعضهم على الركاب من منطقة الصناعة النزول في جسر الرئيس وبعضهم الآخر يوصلون الركاب إلى طلعة شورى دون الوصول لآخر الخط في المهاجرين.
لا تعديلات على التعرفة
من جهة أخرى، نفت الجهات الرسمية وجود أية تعديلات على التعرفة، حيث أكد الميداني أنه "لا يوجد في المدى المنظور دراسة لتعديل التسعيرة المعمول بها على الخطوط"، وأضاف ميداني أن كل من يتقاضى أجوراَ زائدة يُخالف بقيمة 25 ألف ليرة، مطالباً المواطنين بتقديم شكوى خطية إلى إدارة المرور عند عدم وصول الميكرو باصات لنهاية الخط.
وفي ظل زعم دوريات المرور تنظيمها الضبوط اللازمة بحق سائقي الميكرو باصات الذين لا يصلون لنهاية الخطوط المخصصة لهم وهي توقيف السائق وحجز المركبة، يرى المواطنون عكس ذلك فلو كانت هناك عقوبات رادعة لما تجرأ الكثير منهم واستمروا في المخالفات، كما أن جميع خطوط النقل الداخلي وشركات الاستثمار تتم مراقبتها من قبل الشركة العامة للنقل الداخلي عن طريق لجان مهمتها مراقبة الخطوط، أما الميكرو باصات فلا يوجد لها في الوقت الحالي لجنة مراقبة، وتتم مراقبتها من خلال شرطة المرور ومتابعة عملها.
قطار الضواحي العظيم
العرقلة الأولى التي يتعرض لها أي مشروع في سورية هي بدء تضارب آراء ووجهات النظر بين الجهات المعنية ،فلا يكتب للمشروع النجاح بسبب هذا التضارب وإن كتب له ذلك يكون بعد عمر مديد، فقطار الضواحي العظيم الذي بدأت العمل به مديرية السكك الحديدية لم يبصر النور حتى الآن وما زال الخلاف قائماً حول آلية تسيير هذه القطار والمكان المخصص للوقوف فيه.
نقل الكراج
بعد أن نقل كراج الانطلاق من البرامكة من أجل إقامة مكانه مشروع أبراج سورية، وفي ظل الظروف التي تحيط بكراج العباسيين ازدادت معاناة المسافرين إلى المحافظات الأخرى فأصبح المسافر يتكلف ما يقارب ألف ليرة تكلفة الذهاب إلى كراج السومرية من أجل السفر.
هل من حلول؟!
بعد أن احترف المواطن رياضة الجري وراء الميكرو باص ورياضة القفز الحر من الميكروباص بعد أن أصبح الحصول على مقعد صغير في وسائل النقل مهمة صعبة تحتاج إلى خبرة سابقة في السرعة والخفة، وكما يقول بعض رواد الشارع السوري: "بقي شوي من كرامتنا بيضيعو لما نحاول نركب سرفيس"!!
هل من الممكن إيجاد حلول جديدة و صارمة لجشع أصحاب الميكروبات والسرافيس من أجل تخفيف الأعباء على المواطنين؟
محمود العيسى
المصدر: جريدة كفاح العمال الاشتراكي