عمّال مقالع الرخام في البدروسية لا يعرفون أين يقضون الأفراح .. ولا الليالي الملاح ، لأنهم يحصلون يومياً على مكافآتٍ تشجيعية تصل إلى خمس ليرات عدّاً ونقداً .. ! إنهم يستحقون ذلك لقاء عملهم الصعب الذي يقضونه بمقارعة الصخر والحديد .. !
كانت شركة الرخام في اللاذقية من أهم وأكثر الشركات الحكومية نجاحاً وتألّقاً .. دمجوها مع شركة الاسفلت فتراجعت .. ثم دمجوها مع مؤسسة الجيولوجيا فانهارت تماماً.. وغرقت في مستنقعٍ من الخسائر ..! باختصار كانت تربح نحو 200 مليون ليرة سورية سنوياً ، وصارت اليوم تخسر نحو 200 مليون ليرة سورية سنوياً .. !
هذا فحوى التحقيق الصحفي الذي قمت بإنجازه مع الزميلة العزيزة والمحترمة لوريس عمران، التي كان لها الفضل في اقتراح إنجاز هذا التحقيق .. وأوجه شكري الجزيل للسيد علي محرز نقيب عمال البناء والأخشاب ، الذي كان له السبق والفضل أيضاً في طرح هذه القضية التي يجب أن تجد طريقها للحل
تحقيق نشرته صحيفة الثورة السورية يسلط الضوء على واقع مزري لعمال المقالع....
شـركة الرخام تتقاذفها الخسائر ..فروقات بالواقع قبل وبعد الدّمج
... من أرباح 119 مليون ليرة 2009 إلى خسائر 277 مليوناً عام 2014 ...
ومن إنتاج 213 ألف متر مربع ألواحاً.. إلى 28 ألف متر بالعام ...
و من استخراج 804 آلاف طن كتل رخامية 2006 إلى 15٫8ألف طن 2015...
العمال يطالبون بإلغاء الدمج.. وعودة الشركة إلى مجدها المتألّق...
المكافآت السنوية التشجيعية لاتتعـدّى الخمس ليرات يومياً ...العمال محرومون من الإجازات دون أي تعويض أو بدل ...
غَرِقَتْ الشركة العامة للرخام بمستنقع الدّمج، وتلاشت هي وأرباحها وامتيازاتها، لتخرج نيران الخسائر من قلب ذلك المستنقع، والتي لا زالت تزدادُ استعاراً..! كان مقرّ الشركة في اللاذقية، وكانت من أهم الشركات الحكومية الرائدة والناجحة، والرابحة، يتبع لها مصنعان للرخام، في دمشق واللاذقية،
وفي غمرة عطائها ونجاحها، وتألّقها، تقرّر في عام 2004 وعلى حين غفلة دمجها مع إحدى الشركات المتعثّرة، هي الشركة العامة للإسفلت، وصار اسمها الجديد (الشركة العامة للرخام والاسفلت) وبشكلٍ سريع استطاع هذا الدمج أن يهبط بالأرقام الإنتاجية للشركة، حيث تحمّلَ فشل الاسفلت على نجاح الرخام، وبدلاً من التراجع عن الدمج وإطلاق العنان لشركة الرخام من جديد لتستعيد عافيتها، استقرّ الرأي وبكل أسف على إغراقها بذاك المستنقع أكثر، وقتها تمّ في عام 2010 دمجها مع المؤسسة العامة للجيولوجيا في دمشق، وتلاشى كيان شركة الرخام والاسفلت، ليصير مجرد نشاطٍ ثانوي تابع لإدارة فرع مؤسسة الجيولوجيا في اللاذقية..!
وهذا الفرع الذي كان كياناً مُصغّراً لمؤسسة علمية تقوم بالدراسات وأعمال البحوث الجيولوجية، والقيام بأعمال الاستكشاف والتنقيب عن الثروات، فجأة وجد نفسه أمام مهام إنتاجية واستثمارية ضخمة، ويبدو أنّ إدارة المؤسسة وضمناً إدارة الفرع في اللاذقية، ذهبت أكثر باتجاه التمسّك بعمليات البحث والتنقيب على حساب الإنتاج وتطويره وتعظيمه، ليزداد من شأنه ويحقق المزيد من الأرباح، فكان ارتباكاً كبيراً، وبالتالي خسائر فوق ما نتخيل.
صحيح أنّ العاملين والفنيين في شركة الرخام والاسفلت انضمّوا إلى فرع مؤسسة الجيولوجيا في اللاذقية، وكان من المفترض أن يتابعوا أعمالهم كماهي، وأن يحافظوا على مكتسباتهم، غير أنّ صورة الواقع تؤكّد بأنّ هذا لم يحصل، فصار وضع العمّال بائساً، لينعكس الأمر على الوضع الإنتاجي بشكلٍ أشدّ بؤساً.
في عمقِ المقالع
في زيارةٍ قمنا بها - برفقة رئيس نقابة عمال البناء والأخشاب في اللاذقية علي محرز - إلى مقالع الرّخام في البدروسية، قدّم محرز باسم النقابة بدايةً مكافآتٍ نقدية لكل العاملين هناك، فشكروا للنقابة هذه المبادرة التي لم تفعلها الإدارة يوماً..!
على كل حال كان المشهدُ مبهراً، ولكنه محزن، فقد أبهرتنا تلك الصخور الرخامية الضخمة والشاهقة، وكان من المفرح أننا نقف أمام هذه الثروة الوطنية الهائلة، والتي تبدو بلا حدود، تلالٌ وجبالٌ شاهقة من الرخام، أمّا الشيء المحزن فكان وضع العاملين هناك، إنهم كالمنفيين، لا يعرفون سوى أعمالهم الشاقّة، والمحصورة بين الصخر والحديد، وفي زوابع من غبارٍ صيفاً شتاءً.
لا بأس.. فهذه هي طبيعة العمل، ولاستخراج الثروة التي وهبتها لنا أرضنا، لابدّ من العناء والصبر والاحتمال، ولكن كان لابدّ أيضاً من تقدير هذا العناء، وبداهةً كان لابدّ من التعويض المجزي والمتناسب مع تحمّل هذه المصاعب، ولكن هذا ما لا يحصل، والغريب أنّنا كنّا قبل جولتنا على المقالع قد التقينا مدير فرع مؤسسة الجيولوجيا في اللاذقية المهندس علي رجب، والذي أكد أنّ العمال يحصلون على كافة التعويضات من عمل إضافي ومكافآتٍ تشجيعيّة، بالإضافة إلى اللباس الوقائي واللباس المجاني، والطبابة من خلال التعاقد مع ثلاثة أطباء يقومون بفحص العمال بشكلٍ دوري مجاناً، ومنح الأدوية لهم، كما يتم نقل العاملين ذهاباً وإياباً على نفقة المؤسسة، من المدينة إلى المقالع التي تبعد نحو 50 كم، ولكن كم كانت المفاجأة صاعقة أمام حجم التعويضات التي يحصل عليها أولئك العمال الذين يُقارعون الصخر والحديد في العراء ولفحات الغبار، فوقتها بدؤوا يتحدثون لنا عن مصاعب العمل وقساوته، قلنا لهم لابأس ولكنكم تحصلون على تعويضات مجزية، أليس كذلك..؟ ضحكوا.. وقال أحدهم: تعويضات..؟ إي اشهدُ بالله نأخذ تعويضات، ومنذ فترة حصلتُ على تعويضٍ مجزأ جداً، كان تعويضاً ربعيّاً مُجمّعاً وصل إلى 500 ليرة في ثلاثة أشهر، أي نحو 167 ليرة في الشهر..! قلتُ له: هل تمزح..؟ قال: لا أمزح، هذا ما حصل، وحتى لم نأخذ الخمسمائة كاملة، كان عليها حسومات، ضحكنا ألماً، وسألناه: ألا تحصلون على تعويضاتٍ أخرى..؟ قال ساخراً: نعم.. والحق يُقال نحصل على مكافآت تشجيعية في نهاية العام، لقد قبضتُ أنا مكافأة تشجيعية في نهاية العام، كما قبضها رفاق العمل، وقد تراوحت للواحد منّا بين 1700 و1800 ليرة، ولا تتخيّلوا كم شجعتنا هذه المكافأة؟ فماذا نريد أفضل من ذلك؟ مكافأة تشجيعية سنوية هائلة.. احسبوها.. فهي تتراوح بين 4,7 و 5 ليرات يومياً، لم نعد نعرف ماذا سنشتري من كثرة المال قال أحدهم.. وأردفَ آخر: ولا أين سنقضي الأفراح والليالي الملاح..!
بصراحة نحن هنا مضطهدون - يقول العمال - ولا أحد يهتمّ بنا، فها نحن في الشهر الثامن ولم نرَ شيئاً من الحوافز، لا توجد طبابة، ومنذ ثلاثة أشهر لم نرَ طبيباً..! لا توجد أدوية، ولا أي شيء يمتّ إلى الإسعافات الأوليّة بصلة، نعيش بخوفٍ حقيقي، فالعمل خطير، وما يخيفنا أكثر، ويغيظنا أيضاً هو أنّ الميكروباص الذي ينقلنا من اللاذقية إلى المقالع يضعنا فيها، ثم يعود مباشرةً في أغلب الأيام إلى اللاذقية من أجل التزوّد بالوقود، يمشي نحو 140 كم لهذه الغاية ذهاباً وإياباً، فيستهلك نصف وقوده، ويتركنا في العراء، وفي هذه البراري بخطرٍ شديد، فلو أحدٍ منّا أصيب لن يجد وسيلة نقلٍ لإسعافه، و أصيب أحد زملائنا فاضطررنا لإسعافه بآليّة التركس الثقيلة، وهذا غير معقول..!! ثم نحن نأتي يومياً من اللاذقية إلى هنا ونقطع مسافة 70كم ذهاباً ومثلها إياباً، وكان من المفترض وحسب قانون العاملين أن نتقاضى تعويض إذن سفر، كما أنّ الإجازات عندنا ممنوعة، وقد راعى قانون العاملين هذه الحالة وقضى بأن نأخذ لقاء ذلك تعويضاً يوازي أجور تلك الأيام التي من حقنا أن نعطّل فيها بشكلٍ مأجور، ولكن لا أذونات سفر، ولا تعويضات أو بدل للإجازات..!! التعويضات الحقيقية تُمنح للإداريين القابعين في مبنى الفرع، تحت المراوح والمكيّفات، والمُضحك المبكي أنّ تعويضاتٍ بالآلاف تُمنح لموظفين لقاء ما يُسمّى بالجولات، فلأنهم فقط يجولون علينا - حسب ما نعرفه عن مبررات الصرف - فإنهم يحصلون على تلك التعويضات، بينما نحن لا نشمّ رائحتها..! وليس فقط كذلك فنحن لا نعرف إلى أين يجولون..؟! حيث لم نرَ منهم أحداً قد جالَ علينا، وتفضّل بزيارتنا يوماً..!!
أما اللباس فهو مهزلة، أرسلوا لنا آخر مرة أحذية عمل (جزمات) أقل نمرة فيها كانت (46) البعض جرّبها فكان منظراً مضحكاً.. كأفلام الكرتون كنّا بها..! هذا بالنسبة للباس العمل الوقائي، وننصح إدارة الفرع بأن لا تشتريه ثانيةً بهذا الشكل لأننا لن نلبسه، فلا داعي لأن يُنفقوا عليه هكذا هباءً، أما اللباس المجاني العادي فيمنحوننا وصلا سنوياً بقيمة زهيدة لاتتعدى 3500 ليرة، وهذا المبلغ لم يعد يشتري قميصاً، فعن أي لباس يتحدّثون..؟! اللباس الحقيقي الذي كنّا نشعر به هو ذاك الذي كنا نحصل عليه في التسعينات أيام كنّا نتبع لشركة الرخام، إذ كانت قيمته في تلك الأثناء 12 ألف ليرة، كان مبلغاً مجزياً نشتري به بالفعل لباساً حقيقياً، فبالفعل كل شيء تراجع.
قلنا لهم: لماذا لا تقولون هذا الكلام للمدير العام.. أو لمدير الفرع..؟ ضحكوا.. قال أحدهم: هل لدينا مدير عام..؟!! وقال آخر: منذ ثلاث سنوات لم نرَ مدير الفرع فكيف سنقول لهم..؟! وطالبوا بفصلهم عن مؤسسة الجيولوجيا، وعودة شركة الرخام إلى سابق عهدها كما كانت، وقالوا أنّ شركة الرخام كانت متفرّغة لإنتاج الرخام، وكانت تُلازمنا بوجودها في المقالع، الأمر الذي كان يحفّزنا أكثر للعمل والإنتاج، وباندماج الشركة مع الجيولوجيا تراجع كل شيء، حتى الإنتاج صار زهيداً!
في مستنقع الدمج وتناقضاته
ما أورده العمال يُشيرُ بشكلٍ أوّلي إلى النتائج السيئة التي حصدناها نتيجة الدّمج، ولكن الحصاد على حقيقته يظهر من تلك البيانات الصاعقة التي قدّمها لنا السيد علي محرز نقيبُ عمال البناء والأخشاب في اللاذقية، والتي تُبيّن المخاطر والسلبيات الحاصلة بتراجع الإنتاج، وزيادة الخسائر، وتهتّك أوضاع العاملين، ولاسيما أولئك الذين في المقالع وعلى خطوط الإنتاج.
تقول تلك البيانات أنه في عام 2006 - أي قبل دمج شركة الرخام والإسفلت مع مؤسسة الجيولوجيا - أنتجت الشركة 213 ألفاً و105 أمتار مربعة من الألواح الرخامية، فيما لم تنتج المؤسسة في عام 2015 (أي بعد الدمج) سوى 28 ألفاً و610 أمتار مربعة من تلك الألواح، كما أنتجت الشركة 112 ألفاً و100 متر مربع من القطع المُفصّلة في عام 2006، ليتراجع هذا الإنتاج في عام 2015 من قبل المؤسسة إلى 13 ألفاً و100 متر مربع، واستخرجت الشركة 804 آلاف و230 طناً من الكتل الرخامية في عام 2006، فيما لم تستخرج المؤسسة سوى 15 ألفاً و823 طناً من هذه الكتل في عام 2015، كما استخرجت الشركة 443 ألفاً و805 آلاف طن من الجص الخام في عام 2006، ولكن المؤسسة لم تستخرج سوى 74 ألفاً و 397 طناً من الجص في عام 2015، وأنتجت الشركة 10 آلاف و637 طناً من مطحون الغرافيون في عام 2006، في حين لم تنتج المؤسسة شيئاً من هذا المطحون في عام 2015، كما أنتجت الشركة البائدة 19 ألفاً و 387 طناً من المعجون الاسفلتي في عام 2006، ولكن المؤسسة أنتجت صفراً من هذا المعجون في عام 2015..!!!
أمّا لجهة الأرباح والخسائر، فقد أظهرت الميزانيات الختامية أنّ الشركة قد ربحت في عام 2005 ما مقداره 117,2 مليون ليرة، وفي عام 2006 ربحت 34,085 مليون ليرة، كما أنها في عام 2007 ربحت 80,6 مليون ليرة، وربحت في عام 2008 ما مقداره 124,2 مليون ليرة، وفي عام 2009 ربحت 119,046 مليون ليرة.
في عام 2010 اندمجت الشركة مع المؤسسة العامة للجيولوجيا، فانهارت الأرباح مباشرةً، وبدأ مسلسل الخسائر المفجعة اقتصادياً بالنسبة لفرع المؤسسة حيث تكبّد أول عامٍ للدمج خسائر بقيمة 59,5 مليون ليرة، وفي العام 2011 تضاعفت الخسائر أكثر من ثلاث مرات لتصل إلى 179,9 مليون ليرة، ولم تقف الخسائر عند هذا الحد، فتضاعفت أكثر في العام التالي، ووصلت إلى 229,9 مليون ليرة حصيلة العام 2012، ولكن في عام 2013 تراجعت الخسائر قليلاً عما كانت ووصلت إلى 217,5 مليون ليرة، غير أنها لم تَثْبُتْ أمام هذا التراجع، فتقدّمت أكثر في العام التالي، لتُسجل أعلى من كل الأرقام السابقة، إذ وصلت خسائر العام 2014 إلى 277,4 مليون ليرة..!!
الأرقام الإنتاجية غير ضرورية..!
الآن فهمنا لماذا تحفّظ مدير فرع مؤسسة الجيولوجيا في اللاذقية، على تزويدنا بالأرقام الإنتاجية، والمبيعات الرخامية، والأرباح والخسائر وقتما طلبناها منه، وأرادَ أن يُفهمنا بأنها غير ضرورية، وليست ذات أهمية، ولكن أمام ما أبديناه من رغبة في الحصول عليها، وعدنا بتزويدنا بها لاحقاً، وأنه سيتصل معنا من أجل ذلك، ولا نزال منذ أكثر من شهر من الآن بانتظار هذا الاتصال، الذي نعتقد أنه لن يحصل، وفي الحقيقة هو معذور، وبتنا نتفهّمُ ذلك، لأنها أرقام بائسة، مخجلة لا يُحسدُ عليها إطلاقاً، وقد أرادَ في لقائنا معه أن يقول شيئاً آخر، شيئاً عن إنجازاتٍ أغلبها كلاميّة حتى الآن على الأقل، تتمثّل بالخطط الطموحة التي ينتظرها الفرع، وعن الاحتياطيات الجديدة المكتشفة، والتوسع بالمقالع بالتنسيق مع وزارة الزراعة التي تمتلك الأراضي المُنقّبِ فيها، وهذه حالة عويصة تحتاج إلى حديثٍ آخر، وعن التراخيص التي يمنحها الفرع، ودوره في الاستثمارات الخاصة.
صوت نقابي آخر
(عطا الوزة) أحد أعضاء اللجنة النقابية في الفرع، ونائب رئيس نقابة عمال البناء والأخشاب في اللاذقية، زوّدنا ببيانٍ مكتوب أشار فيه إلى (تعاون المدير العام للمؤسسة العامة للجيولوجيا وجهوده المبذولة في تأمين كافة طلبات العمال بما يخدم المصلحة العامة، مشيراً إلى وجود خطة مدروسة بجدوى اقتصادية لتطوير معمل الرخام بكلفة 5,4 مليون دولار تم إعدادها ورفعها إلى تخطيط الدولة للمصادقة عليها.
ونتيجة الجهود المبذولة - يقول النقابي الوزّة - من قبل السيد وزير النفط و المدير العام للمؤسسة تم اتخاذ قرار بمنح العاملين بالمؤسسة وفروعها الطبابة الشاملة، واختصر صعوبات العمل بقدم الآليات، وعدم الترخيص من الزراعة حسب المطلوب) لا بأس.. ونحن نتمنى بالفعل أن يكون هذا الإيضاح في مكانه.
خطط طموحة وتعيينات جديدة
قبل الحديث عمّا قاله المهندس رجب لابدّ من الإشارة إلى ما نشرته صحيفة الثورة، في عدد يوم الأربعاء 5 / 7 / 2017 لأنّ ما تمّ نشره تحفّظت عليه إدارة فرع الجيولوجيا فأرادت التوضيح، وكانت الصحيفة قد أشارت إلى مطالبة نقابة عمال البناء والأخشاب في اللاذقية بإعادة تشغيل وتفعيل معمل الرخام بالطاقة القصوى ليجاري القطاع الخاص، لافتةً إلى النقص في اليد العاملة، التي أدّت إلى نقص في استخراج الكتل الصخرية، والإنتاج من الرخام غير قادر على المنافسة في السوق المحلية، لأن أسعار الرخام الذي ينتجه القطاع العام أعلى من أسعار القطاع الخاص..!
لم يُخفِ مدير فرع الجيولوجيا اعتراضه على هذا الكلام، وأراد القول بأنّ معمل الرخام في اللاذقية يعمل بالطاقة المتاحة، علماً أنّ عمره يتجاوز الثلاثين عاماً، وقد تمّ وضع خطة من قبل إدارة المؤسسة لإعادة تأهيل وتطوير معمل ومقالع الرخام بقيمة 5,4 مليون دولار فعلاً، ورفعت إلى الجهات الوصائية، على أن تُلحظ في خطة العامين المقبلين، وتقوم المؤسسة باستثمار مقلع البدروسية (الجبهة 5) بآلاتها ومعدّاتها ذاتياً، ومقلع عين الشرقية بخطة إنتاجية لعام 2017 بمقدار 32600 طن للبدروسية و 25000 طن لعين الشرقية، ككتل رخامية من مختلف الأصناف، حيث يتم تزويد معامل المؤسسة في اللاذقية ودمشق بحاجتها بالكتل الرخامية، ويتم تسويق باقي المنتجات في الأسواق المحلية لتأمين حاجة القطاع الخاص من الكتل الصخرية، حيث تقوم المؤسسة بدراسة الأسعار بشكل دوري وفق متطلبات السوق وزيادة التكاليف بما يتناسب مع الأسعار الرائجة في الأسواق المحلية وتكاليف الإنتاج في المؤسسة، وعموماً أسعارنا هي دون الأسعار الرائجة وهي تُعدّل ارتفاعاً وانخفاضاً وفق متغيرات السوق والكلف، وبالعموم فإنّ سعر منتجات معمل الرخام في اللاذقية أقل من الأسواق المحلية، والسعر الأعلى عندنا هو للنوع المعروف بالبند 60×30 والسبب في ذلك هو أننا نعطي هذا النوع دون أي تلاعب، وهو قابل للتلاعب، بينما في القطاع الخاص قد يتلاعبون فيبيعون هذا النوع بسعر أقل، ومن الصعب اكتشاف ذلك، ولكننا نحن لانفعل ذلك، وقامت المؤسسة بتحديث طرق الاستخراج للمواد الرخامية من المقالع القائمة باستخدام معدّات القطع الحديثة (توجد آلة واحدة في البدروسية) والابتعاد كلياً عن استخدام المواد المتفجّرة، وهناك خطط طموحة بتوجيهات من السيد الوزير باستثمار الثروة الرخامية وزيادة احتياطي هذه الصخور من خلال التوسع بأعمال المسح والتنقيب عن الخامات الموجودة، وقد تمت زيادة احتياطي الصخور الرخامية في منطقة البدروسية بحدود 3,8 مليون طن، وهناك احتياطي بحدود 5 ملايين طن في مقلع بشيلي منطقة عين الشرقية، كما أن هناك احتياطيا بحدود مليون طن من خلال التوسع بأعمال منطقة كسب (جبهة 3) وقد خاطبنا مديرية الزراعة لمنحنا التراخيص اللازمة لفتح هذه المواقع الجديدة، والتوسع بالمقالع القائمة حالياً لتلبية حاجة السوق المحلية ومعامل المؤسسة وتمّ تشكيل لجان مشتركة بين المؤسسة ووزارة الزراعة بهذا الخصوص لدراسة طلبات الترخيص.
ومن جانب آخر يقوم فرع المؤسسة بالإشراف المباشر على إنتاج وتسويق الصخور الرخامية التي يستثمرها القطاع الخاص الحاصل على إجازات استثمار من المؤسسة التي تتقاضى عليها عائدات ورسوم مناسبة.
ولفت مدير فرع الجيولوجيا في اللاذقية إلى أنّ المؤسسة قد عاودت القيام بأعمال المسح والتنقيب في محافظة اللاذقية، ولاسيما في الجهة الشمالية الغربية للبحث والتنقيب عن مكامن الخامات المعدنية المفيدة، وكذلك دراسة توضّعات الحجر الرملي في منطقة الشقيفات بجبلة، وأماكن انتشارها، وتقدير الاحتياطات المتوفرة منها، كما قام الفرع بمنح التراخيص اللازمة لعمل مقالع الحصويات في اللاذقية لتأمين حاجة المحافظة من الحصويات.
أما بالنسبة للجص فتقوم المؤسسة باستخراج هذه المادّة في منطقة الكركيت لتأمين حاجة معامل الإسمنت من مادّة الجص الخام، التي نقوم بتصديرها إلى لبنان أحياناً عند ورود طلبات عليها.
وحول ما أثير من نقصٍ في عدد العاملين نتيجة انتهاء خدمات بعضهم وتسرّب بعضهم الآخر، أوضح مدير الفرع أنّ المؤسسة أدرجت تعيين عاملين من مختلف الفئات (عمال إنتاج، سائقين، فنيين) ضمن خطة العام 2017 ليصار إلى التعيين وتلافي النقص الحاصل.
ولكن المؤسف أنّ المؤسسة طرحت الآن هذه المسابقة، على أن يبدأ تقديم الطلبات اعتباراً من 1 / 10 / 2017 وحتى 17 / 10 / 2017، ولم يكن من نصيب لفرع الجيولوجيا في اللاذقية سوى 12 فرصة عمل، لا علاقة لها بالنقص الحاصل..! حيث لم يطلبوا عامل إنتاج واحد، ولا جيولوجي واحد، والإعلان عن المسابقة موجود على موقع مؤسسة الجيولوجيا، ويُظهر أنّ نصيب فرع اللاذقية: 2 حقوق، و2 ثانوية عامة، 2 سائقين، و2 عمال خدمات جهد عضلي، و2 معهد هندسة ميكانيكية وكهربائية، و2 معهد هندسي اختصاص مساحة، وهذا يعني أن المشاكل التي يعاني منها قطاع الرخام ليست على بال أحد..!!
عقبات
أمّا بالنسبة للصعوبات التي يواجهها فرع الجيولوجيا في اللاذقية فأوضح المهندس رجب أنها تتمثل بصعوبة تصريف منتجات الاسفلت (غرافيون - بودرة - معجون اسفلتي) وذلك بسبب توقّف أعمال العزل والتزفيت في أغلب المحافظات نتيجة الأوضاع السائدة، وكذلك الأمر بالنسبة للمنتجات الرخامية، ومن جانب آخر توقفت - نتيجة الحصار الجائر على سورية - عمليات تصدير المعجون الاسفلتي إلى الأسواق الخارجية.
أخيراً
نرجو أن لا يعتبرنا البعض على اصطفافٍ مع أحدٍ ضد أحد من حيث المبدأ، نحن فقط ضدّ تهتّكِ ثرواتنا - ولاسيما هنا الثروة الرخامية - بهذا الشكل المؤلم، فيما نحن قادرون على استثمارها أفضل استثمار، ومباهاة العالم بها، وإشباع الأسواق منها، وتصديرها أيضاً، وتحقيق أفضل الأرباح، وإدخال القطع الأجنبي إلى البلاد، ونحن أيضاً ضد هذا الإجحاف الفظيع بحق العمال، فمن غير المعقول تخصيصهم بخمس ليرات في اليوم، ونسميها تعويضات تشجيعيّة..!! ومن غير المعقول هذا الإهمال لأوضاعهم، وعدم الاكتراث ببعدهم ومخاطر عملهم ولا حتى بسماع صوتهم، ولا داعي لمحاولات التستر على هذه الأوضاع وإخفائها، فهذا هو واقع الحال، هو واقع صعب جداً، وقاسٍ كما تلك الكُتلِ الرّخامية وأكثر، ومع ذلك فمن الأفضل أن نسلّط عليها الضوء علّها تلين، وعسانا بذلك نستطيع أن نفعلَ شيئاً، وربما تكفُّ المؤسسة العامة للجيولوجيا، وكذلك وزارة النفط أيضاً عن هذا الصمت المريب عن واقع مؤلم يحتاج إلى تشخيص دقيق وتحليل صحيح.. لمعرفة أسباب هذا الانهيار، وصولاً للبدء بالعلاج، أملاً في إيقاف ذاك النزيف الاقتصادي، وإنهاء هذه المأساة.
فلا ندري لماذا الإصرار على المضي بهذا الدمج، وقد أثبتت الوقائع فشله الذريع..؟! إن كانت القيادات الجيولوجية معجبة بمسألة الدمج من أجل الدّمج هكذا بلا سببٍ وجيه، فلماذا هي معجبة بالوصول بالأمر إلى هذا الحد اللامعقول من الفشل والخسائر..؟! لاسيما وأنّ هناك طرقاً ممكنة للحل أوجدها قانون الدمج نفسه..؟! حيث يحق لمؤسسة الجيولوجيا إنشاء شركات مختصة تقوم على استثمار واستخراج المواد المنجميـة والمقلعية بما لا يتعارض مع اختصاصات الجهات الرسميـــة الأخرى، ولا نعتقد أنّ مؤسسة الجيولوجيا تكون متعارضة مع أي جهةٍ أخرى فيما لو أسّست شركة متخصصة بإنتاج الرخام، وتفرّغت لهذه المسألة، وحقّقت بعد ذلك المزيد من النجاحات وزيادة الإنتاج والأرباح.
علي محمود جديد - لوريس عمران