«وطن بنيناه بعرقنا سنحميه بدمائنا وسنعيد بناءه».. بهذه الكلمات اختصر عضو مجلس الشعب السوري ورئيس الاتحاد العام لنقابات العمال جمال القادري إصرار الشعب السوري، وفي طليعته الطبقة العاملة، على إعادة بناء ما هدّمته العصابات المسلحة الحاقدة من منشآت أساسية ومؤسّسات رسمية وصروح تعليمية لتعود سورية أفضل مما كانت، تأكيداً لما قاله الرئيس الدكتور بشار الأسد: «لن يبني سورية إلا السوريون».
في لقاء مُطوَّل مع «البناء»، استعرض القادري محطات مضيئة ومُشرِّفة في تاريخ الحركة العمالية في سورية التي لم يقتصر دورها على القضايا العمالية فقط بل قارعت الاستعمار الفرنسي حتى إجلائه ووقفت في وجه كلّ المؤامرات والمشاريع التقسيمية للمنطقة وصولاً إلى أروع ملاحم الفداء التي سطرها آلاف العمال الشهداء دفاعاً عن وطنهم ومؤسّساته التي بنوها بكدّ السواعد وعرق الجبين.
وقال القادري: «كان عمالنا موجودين في مواقع عملهم يدافعون عن مؤسّساتهم التي ساهموا في بنائها، وكان حجم استهدافهم بحجم دورهم في دعم صمود سورية فضُربوا وقتلوا في مواقع عملهم وكانوا على قدر الرهان عندما توجّهوا، رغم كلّ الاستهدافات والأخطار، إلى المعامل والمصانع ليُنتجوا للشعب السوري مقوّمات صموده ومعيشته، في وقت كانت سورية ولا تزال تعيش حصاراً اقتصادياً وعقوبات خانقة هدفها تجويع الشعب السوري ليدفع ثمن صموده والتفافه حول قيادته واحتضانه لجيشه الذي تصدّى لهذه الهجمة على كامل الأراضي السورية».
وإذ أشار إلى دوره في دعم صمود العمال واستمرارية حياتهم اقتصادياً ومعيشياً وتربوياً عبر التقديمات والمشاريع المختلفة، أكد القادري أنّ الاتحاد العام لنقابات العمال لعب دوراً كبيراً جداً على الصعيد الخارجي في فضح وتعرية ما يحصل في سورية وممارسات الإرهابيين ومن يقف خلفهم بحق العمال خصوصاً.
وحيث لا يخلو لقاء نقابي عمالي من السياسة، اعتبر القادري أنّ الحرب الكونية على سورية سببها مواقفها الممانعة وإحباطها مشاريع عدة للغرب المُتصهين، وتصدّيها لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية.
وقال: «اليوم وبعد كلّ هذه السنوات أثبتت سورية بشعبها وجيشها وقيادتها صوابية موقفها وصلابته وحقق السوريون صموداً أسطورياً، رغم الآثار الثقيلة على شعبنا حيث لم تبقَ عائلة سورية بمنأى عن تداعيات الأزمة، رغم حالة الشعور بالفخر. سورية واجهت العالم بأسره، في هذه الحرب التي استُعملت فيها الأدوات العسكرية والإعلامية والمالية والسياسية والفكرية كافة، صلبة متحدّة بكلّ قواها الرسمية والعسكرية والعمالية وها هي على مشارف النصر».
متى بدأت معالم الحركة النقابية تتشكّل في سورية؟
ـ يعود تأسيس النقابات العمالية في سورية إلى بدايات القرن العشرين مع تأسيس نقابات لعمال الغزل والنسيج وعمال الكهرباء وعمال الترمواي في دمشق. لكنّ معالم الحركة النقابية في سورية بدأت تتضح بعد أن تمكّنت النقابات التي تأسّست في البداية من تشكيل أول اتحاد لعمال المحافظة هو «اتحاد عمال محافظة دمشق» في الثلاثينات، وبعدها بدأت تتشكل اتحادات نقابات العمال في المحافظات، إلى أن اجتمع مندوبو المحافظات في 18 آذار 1938 وكان ذلك الاجتماع بمثابة المؤتمر التأسيسي لتشكيل الاتحاد العام لنقابات العمال، وبدأ ذلك الصرح العمّالي الكبير يأخذ أبعاده وينتشر.
ما هو الاتحاد العام لنقابات العمال وما هي هيكليته؟
ـ الاتحاد العام لنقابات العمال هو من أكبر منظّمات المجتمع المدني في سورية وأكثرها شعبية، وهو يضمّ جميع العمال المنتسبين إلى الاتحادات والنقابات المهنية القائمة في الجمهورية العربية السورية.
ويولي الاتحاد اهتماماً كبيراً بمصالح الطبقة العاملة بأكملها، كما يمثل الحركة العمالية في اللجان والمؤتمرات الدولية.
وبالنسبة إلى هيكلية الاتحاد فهو يضمّ 13 اتحاد محافظة، وبدوره، يضمّ اتحاد عمال المحافظة كلّ النقابات الفرعية أيّ النقابات التي تمثل عمال المهنة أو المهن المتشابهة على مستوى المحافظة. ويكون ارتباط النقابات مزدوجاً. فعلى صعيد العمل التنظيمي والنقابي اليومي، ترتبط باتحاد عمال المحافظة، وعلى الصعيد المهني ترتبط بالاتحاد المهني. هناك اتحادات مهنية وكلّ اتحاد مختصّ بمهنة أو بمجموعة مهن متشابهة وهذه الاتحادات مركزية مقرّها دمشق، وفي كلّ موقع عمل هناك تنظيم نقابي مُنتخَب هو اللجان النقابية ومجموع اللجان النقابية يشكل نقابة على مستوى المحافظة، ويشكل مجموع هذه النقابات اتحاد عمال المحافظة، ويشكل مجموع اتحادات عمال المحافظات والاتحادات المهنية الاتحاد العام لنقابات العمال.
كيف يُقاد الاتحاد؟
ـ السلطة العليا في الاتحاد هي المجلس العام للاتحاد العام لنقابات العمال وتتمثل فيه كلّ اتحادات المحافظات والاتحادات المهنية ويتألف من 75 عضواً يتمّ انتخابهم كلّ خمس سنوات، بموجب قانوننا النقابي الذي نعمل على تعديله وعصرنته. ويعقد هذا المجلس جلسة كلّ أربعة أشهر مع الحكومة ويطرح كلّ قضايا العمال بشكل موسّع، كما يلتقي القيادة السياسية ليُطلعها على أبرز التطورات.
ينتخب المجلس العام الذراع التنفيذي له، أيّ المكتب التنفيذي للاتحاد، من 11 عضواً ويجتمع المكتب التنفيذي ويوزّع المهمّات وينتخب رئيس الاتحاد ومقرّ عمله هو نفسه مقرّ الاتحاد العام.
منذ نشأتها كان للحركة العمالية دور كبير في معارك الدفاع عن سورية في وجه المُستعمِر الفرنسي. ما هي أبرز محطاتها النضالية مروراً بسنوات الأزمة الأخيرة وحتى يومنا هذا؟
ـ منذ تأسيسه لم يكن عمل الاتحاد نقابياً عمالياً فقط بل انخرط في العمل السياسي والوطني وكان العمال بالصفوف الأمامية في معارك الدفاع عن سورية في وجه المستعمر الفرنسي حتى الجلاء. وكانت للعمال مواقف مهمّة جداً ضدّ المشاريع التي كانت تُرسَم للمنطقة، لا سيما مشروع «أيزنهاور» و«حلف بغداد» وغيرهما من المشاريع، وكانوا يخرجون في التظاهرات المناهضة لها في كلّ المحافظات. وبعد ثورة البعث عام 1963 قدم «حزب البعث» نفسه كحزب للعمال والفلاحين واستمدّ مشروعيته من تمثيل هاتين الطبقتين اللتين تُعتبران أوسع طبقتين في المجتمع، وتقديراً لنضال الطبقة العاملة ودورها كأحد أهمّ ركائز العمل الوطني، بدأت مكاسب العمال تتعمَّق بشكل كبير، بعد الثورة مباشرة، نتيجة إيمان قيادة الثورة بالدور الكبير للعمال، فصدرت تشريعات كثيرة لصالحهم، وساهم القطاع العام ولا يزال في استيعاب مئات الآلاف من العمال السوريين عبر تأمين فرص عمل لهم، ولا يزال هذا القطاع، حتى يومنا هذا، يحقق مجموعة أهداف سياسية واقتصادية واجتماعية متماسكة. كما أنّ الأزمة الأخيرة أثبتت أهمية القطاع العام ووجوده في ظلّ الحصار الاقتصادي الجائر المفروض على سورية والعقوبات الظالمة.
5700 شهيد من العمال
دفعت الطبقة العمّالية في سورية ثمناً باهظاً جراء الأزمة وقدّمت الكثير من الشهداء. ما هو دوركم كاتحاد في التخفيف من وطأة معاناة العمال السوريين وتأثيرات الأزمة عليهم؟
ـ كان سلاح الغدر الذي ضرب سورية موجَّهاً بشكل أساسي إلى كلّ ما بناه شعبنا، وبالأخصّ عمالنا، لذلك استُهدفت المرافق الحيوية للبلاد من معامل وشركات ومستشفيات وصروح تعليمية. الطبقة العاملة في سورية كانت متراساً في هذه الأزمة منذ أيامها الأولى وكنا مدركين كقيادة عمالية لأبعاد هذه الهجمة. وإذ كان عمالنا موجودين في مواقع عملهم يدافعون عن مؤسّساتهم التي ساهموا في بنائها، كان حجم استهدافهم بحجم دورهم في دعم صمود سورية فضُربوا وقتلوا في مواقع عملهم وكانوا على قدر الرهان عندما توجّهوا، رغم كلّ الاستهدافات والأخطار، إلى المعامل والمصانع ليُنتجوا للشعب السوري مقوّمات صموده ومعيشته، في وقت كانت سورية ولا تزال تعيش حصاراً اقتصادياً وعقوبات خانقة هدفها تجويع الشعب السوري ليدفع ثمن صموده والتفافه حول قيادته واحتضانه لجيشه الذي تصدّى لهذه الهجمة على كامل الأراضي السورية. عمالنا استُهدفوا في الحافلات التي تقلّهم وتعرّضوا للقتل والخطف في مكان إقامتهم بمدينة عدرا العمالية وهذه جريمة ستبقى وصمة عار في جبين كلّ الدول التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان. ونتيجة لهذه الحرب انضمّ عدد كبير من العمال إلى قوافل شهداء الوطن وبلغ عددهم حوالي 5700 شهيد ارتقوا في مواقعهم الإنتاجية وسجّلوا مواقف بطولية للتاريخ، وهناك عدد مماثل من الجرحى الذين أصيبوا بإعاقات دائمة.
بالنسبة إلى التقديمات، أسّسنا صندوق تكافل مركزي لصالح أسر الشهداء والجرحى، حيث أننا لم نكتفِ بتقديم الإعانات أو المساعدات في مناسبات أو ظروف معينة، وهذا الصندوق هو شكل من أشكال المساعدة المُستدامة، وقد أمّنا له مصادر التمويل وحالياً بدأت تزداد موجوداته وندرس أفضل السبل للاهتمام بذوي الشهداء عن طريق تأمين مساعدات تربوية وصحية ومنح إعانات معيشية. أما بالنسبة إلى الجرحى فلدينا أكثر من توجُّه، وفي السياق، اتخذ الاتحاد قراراً بأن يُعالج، على نفقته، كلّ عامل فقد طرفاً من أطرافه وتقديم رعاية خاصة له، بالإضافة إلى ما تقدّمه الدولة. واليوم استحدثنا ما يُسمّى «الوحدة الاقتصادية الإنتاجية» وهذه الوحدة تنتج اللباس العمالي وكلّ أنواع اللباس الأخرى وهي مخصّصة لأبناء الشهداء وأيضاً للجرحى ليعملوا ويتعلّموا مهنة، تمهيداً لإعادة دمجهم في المجتمع، وتضمّ الوحدة اليوم 80 عاملاً، وهي متعدّدة الاختصاصات وكلّ جريح يتدرّب على عمل يناسب إعاقته، بالإضافة إلى التقديمات لكلّ العمال وليس فقط الشهداء والجرحى، لأنّ الظروف قاسية وهناك فجوة كبيرة بين الدخل والإنفاق سببها تآكل القدرة الشرائية وسرقة موارد الاقتصاد السوري وارتفاع الأسعار. إنّ متوسط الدخل للفرد اليوم هو حوالي 30 ألف ليرة سورية، بينما الحدّ الأدنى للإنفاق هو حوالي 225 ألفاً وهذا يعكس وجود فجوة كبيرة جداً. نحن ندرك تماماً أنّ الإمكانيات المتوفرة لا تكفي لردم هذه الفجوة كاملة، لكننا نسعى إلى تضييقها ما أمكن.
نحن كاتحاد، نحاول أن نقوم بالدور المطلوب منا، خاصة على الصعيد الاجتماعي في ظلّ الأزمة ولدينا صناديق مساعدة في كلّ نقابة عمالية يمنح إعاناته في مناسبات مختلفة وفي كلّ محافظة هناك صندوق تكافل مركزي يعطي إعانة في نهاية الخدمة، لأيّ سبب انتهت الخدمة، أكان التقاعد أو الاستقالة أو المرض أو الوفاة وقد بلغ مجموع تقديمات هذه الصناديق في العام 2016 نحو 4 مليارات ليرة سورية وهو رقم ليس قليلاً في ظلّ هذا الواقع الذي نعيشه، وقد عانت هذه الصناديق حالة عجز نتيجة الظروف وزيادة الأعباء بسبب ارتفاع نسبة الأضرار التي تستوجب التعويض، بسبب استهداف العمال خلال الأزمة، لكنّ الاتحاد قدّم دعماً لها بحوالي 400 مليون ليرة سورية لتغطية عجزها وتأمين ديمومتها واستمراريتها وقام بخطوة تصحيحية في إطار عمل هذه الصناديق، حيث تمّ تعديل قيمة الاشتراكات واليوم كلّ صناديقنا متوازنة.
أما على الصعيد التربوي، فنحن نسعى إلى تأسيس جامعة عمّالية خاصة تقدّم التعليم لأبناء العمال بجودة عالية وأسعار مقبولة ونحن في طور استكمال إجراءات الترخيص واستيفاء الشروط ونسعى للحصول على بعض الاستثناءات لتشييد هذا الصرح لكي نتمكن من تقديم التعليم لأبناء عمالنا.
من جهة أخرى، وفي المجال التثقيفي أيضاً، لدينا معاهد نقابية في كلّ المحافظات تقدّم دورات قصيرة ومتوسطة في الثقافة العمالية والاقتصادية لرفع مستوى الوعي لدى العمال، وهناك أيضاً معهد مركزي في دمشق يقيم دورات تثقيفية حول الصحة والسلامة المهنية في الثقافة العمالية ولدينا مشروع لتوسيع العمل في المعهد لأنه كتلة كبيرة من البنى التحتية ومساحته حوالي 7000 متر مربع من القاعات المُجهّزة. وبحسب مُخرجات المرصد لدينا حاجة مهنية كبيرة نتيجة تسرُّب عدد كبير من العمال باتجاه الجيش أو مغادرة البلاد. كما ننظم دورات مهنية وحرفية في معاهد المحافظات ونحاول أن نستوعب فيها أبناء الشهداء والجرحى لأننا مقبلون على مرحلة إعادة الإعمار وكما كان دور العمال ملموساً خلال الأزمة في تدعيم صمود الوطن، نحن نعدّ العدة للانخراط في عملية إعادة البناء والشعار الذي طرحناه خلال الأزمة: «وطن بنيناه بعرقنا سنحميه بدمائنا وسنعيد بناءه». وعندما يستكمل الجيش تحرير بقية المناطق سينعكس ذلك إيجاباً وسيُعاد تشغيل المعامل والمصانع ما يولّد فرص عمل ويحسّن مستوى الخدمات. فقد انعكست استعادة الغاز، على سبيل المثال، تحسُّناً فورياً في القدرة الكهربائية وفي التغطية لساعات أطول، ونحن نعمل بالتنسيق مع وزارة الصناعة والحكومة على إعادة تشغيل المعامل مع عودة الحياة إلى المنشآت الصناعية في القطاع العام والقطاع الخاص وكلّ ذلك سيُساهم في تحسين الوضع المعيشي ومستوى الدخل. قريباً ستصبح معاناة السوريين طوال سنوات الأزمة جزءاً من الماضي وسوف تعود سورية أفضل وهذا ليس تمنّياً بل فعل إيمان وما تحقّق في الأيام الماضية سيترسّخ في المرحلة المقبلة. وفي المحصِّلة نحن في سورية بحالة صمود. سورية كانت مُهيّأة لمحاربة الغاصب «الإسرائيلي» بجيشها وبُناها التحتية واليوم بعد الانتصارات التي تحققت ستعود إلى دورها المركزي في المنطقة وتدحض مزاعم كلّ المشككين. صمود سورية ليس فعلاً لحظياً بل تراكُمياً وما مكّننا من الصمود هو هذا البناء الهائل من المنشآت والبنى التحية التي شُيِّدت بسواعد عمالنا على مدى عقود طويلة من التنمية والتي حاول أعداؤنا تفكيكها وتدميرها.
تمويل الاتحاد ذاتي
من يموِّل الاتحاد وهل يتلقّى دعماً من الدولة؟
ـ الاتحاد العام لنقابات العمال هو منظمة لا تتلقى أيّ إعانات من الدولة، وتمويله ذاتي من اشتراكات العمال وإيرادات المشاريع الاستثمارية التي يملكها وحصيلة تشغيل تلك الإيرادات. هذه المشاريع هي عبارة عن مشاريع خدمية وسياحية وصحية، من فنادق ومطاعم ومحلات تجارية والتي ترفد خزينة اتحادات المحافظات والاتحاد العام لنقابات العمال وتموّلها.
في إطار السياحة والترفيه والتي تقدّم خدمات للعمال لقاء بدل مالي رمزي، يمتلك الاتحاد نوادي عمالية في المحافظات كافة. في دمشق لدينا مجمع «صحارى» السياحي الذي يمتلكه ويديره الاتحاد وهناك مجمّعات مماثلة في باقي المحافظات، كمشروع دور الراحة العمالية في البسيط على الشاطئ وهو يتألف من 3000 وحدة سكنية ترفيهية سياحية.
استحدثتم مؤخراً المرصد العمالي للدراسات والبحوث ما هو دور هذا المرصد؟
ـ لمواكبة التطورات في سوق العمل، وجدنا أنّ هناك حاجة إلى مؤسّسة بحثية فاعلة تُعنى باتجاهات هذا السوق ومتطلباته واختلالاته واحتياجاته والعلاقة بين العرض والطلب وكيفية المواءمة بين مخرجات التعليم ومتطلبات السوق، فكان هذا المرصد الذي بدأ عمله منذ حوالي الشهرين، وهو متخصِّص بإعداد مختلف الدراسات الاقتصادية والاجتماعية وتحديد أفضل السبل للاستجابة للمتغيّرات وصياغة الاستراتيجيات الملائمة لوضع المجتمع العمالي في مكانة مرموقة تليق به.
الدور العربي والدولي
ما هو الدور الذي لعبه الاتحاد على الصعيدين العربي والدولي في نقل معاناة عمال سورية في ظلّ الأزمة؟
ـ لعب الاتحاد دوراً كبيراً جداً على الصعيد الخارجي في فضح وتعرية ما يحصل في سورية وممارسات الإرهابيين ومن يقف خلفهم. ونحن ندرك أنّ أحد أشدّ جوانب الحرب على بلادنا خطورة هو الجانب الإعلامي، حيث تمّ توظيف أكثر من مئة محطة فضائية لبثّ السموم والتضليل وخلق الفبركات. نحن كاتحاد عمالي لنا علاقات عميقة وتاريخية مع اتحادات نقابية عربية ودولية واستطعنا أن نتواصل مع كلّ الاتحادات حتى تلك التي وقفت دولها ضدّنا في الأزمة، ونقلنا إليها الصورة الحقيقية كاملة وكنا نشارك في الندوات والمؤتمرات حتى أننا نظمنا عام 2015 ملتقى نقابياً دولياً في دمشق شارك فيه ممثلون عن 300 مليون عامل بالتنسيق مع اتحاد النقابات العالمي الذي كنا نشغل فيه موقع الرئيس واليوم نائب الرئيس وبالتنسيق مع الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، برعاية كريمة من الرئيس الدكتور بشار الأسد، وسلّطنا الضوء على ما يحصل، واطّلع المشاركون، بل شاهدوا بالعين المجرّدة، حقيقة الأمر وحقيقة التضليل، ورغم النصائح التي تلقوها لعدم القدوم إلى سورية أصرّوا على المشاركة في الملتقى تحت عنوان التضامن مع عمال وشعب سورية في وجه الإرهاب. ورغم تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية، نصرّ على مشاركتنا في اجتماعات منظمة العمل العربية، وهناك إصرار على ذلك من المنظمات النقابية العربية، وقد شاركتُ كرئيس للاتحاد العام لنقابات العمال في الاجتماع الأخير للمنظمة في القاهرة. ونحن اليوم نحضِّر لملتقى نقابي عالمي في 11 أيلول 2017 في دمشق.
برزت محاولات كثيرة لنقل مقرّ الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب إلى خارج سورية لكنّ الأمين العام الجديد غسان غصن أكد مراراً أنّ علم الاتحاد سيظلّ مرفوعاً في دمشق. كيف يتمّ التنسيق مع الاتحاد بخصوص القضايا العمالية والوطنية المختلفة؟
ـ هناك تواصل يومي مع الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، وهو منظمة نقابية عمالية قومية تشكل مظلتنا جميعاً، وقد حاول البعض شرذمة هذا الاتحاد وتشكيل اتحاد بديل فكانت النتيجة كيان هجين واليوم نشهد عودة تدريجية للذين انضمّوا لذلك الاتحاد المصطنع إلى الاتحاد الدولي. وفي الاجتماع الأخير الذي عقدناه في مدينة شرم الشيخ بمصر صيف 2016 تمكنا من إعادة تنظيم الاتحاد الدولي وانتخاب أمانة عامة جديدة برئاسة السيد غسان غصن، واليوم هناك حركة نشطة لهذا الاتحاد واتحادنا يقدّم له كلّ وسائل الدعم ليبقى فعلاً مظلة نقابية عربية، لأنّ العالم كله اليوم، أكان على الصعيد النقابي أو أيّ صعيد آخر، يتجه نحو التكتلات لانتزاع الحقوق ونحن كمنظمة كنا ولا نزال مصرّين على بقاء هذه المنظمة.
على الصعيد السياسي والوطني وبصفتكم عضواً في مجلس الشعب السوري، هل تعتبرون أنّ سورية تدفع اليوم ثمن مواقفها المُمانعة في مواجهة مشاريع التقسيم في المنطقة؟
ـ سورية منذ الاستقلال وحتى الآن في عين العاصفة لأنها كانت دائماً تحمل لواء الممانعة لأيّ مشروع يُرسم للمنطقة خلاف توجهات أبنائها. ففي العقدين الأخيرين أحبطت سورية مشاريع عدة للغرب المُتصهين، وتصدّت لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية والتفريط بها، خاصة بعد اتفاق أوسلو عام 1994. سورية احتضنت حركات المقاومة الرافضة للاتفاق ودعمتها، رغم الخلاف العقائدي مع بعض هذه الحركة، كحركة حماس على سبيل المثال، وأريد أن أذكر هنا حواراً دار بين الرئيس بشار الأسد ونائب وزير الخارجية الروسي قسطنطينوف في ذلك الوقت، وقد سأله قسطنطينوف: كيف حاربتم الإخوان المسلمين في سورية واليوم تدعمون حركة «حماس»، فكان جواب الرئيس الأسد إنّ ما يجمعُنا بالحركة هو مشروع مقاومة «إسرائيل». كما دعمت سورية المقاومة اللبنانية التي حققت إنجازاً كبيراً في دحر العدو من جنوب لبنان عام 2000. ثم أحبطت مشروع الشرق الأوسط الكبير، ونحن نعلم أنّ الغرب لديه مطبخ سياسي مهمّته تكريس وجود «إسرائيل» ككيان عدواني في المنطقة، وكان شمعون بيريز هو أول من بشر في كتابه الشهير في العام 1999 بالمشروع الذي يهدف إلى تفتيت المنطقة إلى دول صغيرة على أسس إثنية وطائفية وعرقية. ثم عادت كوندوليزا رايس وذكّرت بالمشروع في العام 2005 وكانت وقتئذ وزيرة للخارجية الأميركية. لقد حاولت أميركا والغرب أن يكون لبنان رأس حربة لهذا المشروع عندما حاولوا تقسيمه على أُسس طائفية ومذهبية، لكنّ سورية أحبطته، بالتعاون مع القوى الوطنية اللبنانية. وعندما يئسوا من لبنان احتلوا العراق وأرادوا تقسيمه بموجب دستور «بريمر» إلى أكراد وسنة وشيعة، لكنّ سورية دعمت المقاومة العراقية بشكل كبير في وجه هذه المؤامرة دفاعاً عن الأمن القومي العربي وليس عن مصالحها. وبعد محاولات الغرب الفاشلة في تغيير موقف سورية وثنيها عن دعم حركات المقاومة والمواجهة، كانت المؤامرة التي كان أدواتها بعض العرب ووقودها الذين غُرِّر بهم، وبدأت الحرب على سورية وكان لا بدّ من أساس فكري لهذا المشروع التدميري، فاختاروا أساساً فكرياً رجعياً بغيضاً مقيتاً هو الفكر الوهّابي الإقصائي الإلغائي الأسود ليكون المرجعية الفكرية والعقائدية. واليوم بعد كلّ هذه السنوات أثبتت سورية بشعبها وجيشها وقيادتها صوابية وصلابة موقفها وحقق السوريون صموداً أسطورياً، رغم الآثار الثقيلة على شعبنا حيث لم تبقَ عائلة سورية بمنأى عن تداعيات الأزمة، رغم حالة الشعور بالفخر. سورية واجهت العالم بأسره، في هذه الحرب التي استعملت فيها كلّ الأدوات العسكرية والإعلامية والمالية والسياسية والفكرية، صلبة متحدّة بكلّ قواها الرسمية والعسكرية والعمالية وها هي على مشارف النصر.