لم يكن مفاجئاً لأي متابع متفحص في الأحداث التي تشهدها المنطقة عموماً وسورية خصوصاً إقدام المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا على تقديم مقترح نشاز لا علاقة له بالواقع والجغرافيا والتاريخ، ومرفوض جملة وتفصيلاً من قبل الشعب السوري وقيادته، مع العلم أن دي ميستورا لا يحق له وفق الصلاحيات الممنوحة له تقديم مقترحات أو حتى أفكار في هذا السياق، بل دوره محدد في تسهيل وتيسير المباحثات وإجراء الحوار السوري السوري من أجل إيجاد حل سياسي للأزمة في سورية والتي تقف وراءها قوى غربية ودول عربية رجعية وإقليمية ما زالت حتى يومنا هذا تعيش أسيرة ماض عفا عليه الزمن.
يبدو أن المبعوث الدولي لم يدرك حتى الآن مع من يتعامل، أو طبيعة الشعب السوري وقدرته على التحمل والصبر رغم قساوة الظروف التي يمر بها وحجم الإرهاب الممارس عليه وعلى بلده، وما الاقتراح الأخير حول الأحياء الشرقية لمدينة حلب سوى محاولة فاشلة لإطالة عمر التنظيمات الإرهابية هناك وتشريعها، وتأمين ما سماه "خروجا مشرفا" لعناصر جبهة النصرة المدرجة على لوائح مجلس الأمن للتنظيمات الإرهابية، ليخرج دي ميستورا عن كل القوانين والأعراف الدولية ويتدخل بشكل مباشر في الشؤون الداخلية لبلد مستقل وأحد الأعضاء المؤسسين للأمم المتحدة، ويتجاوز حدوده بشكل صفيق لا سابق له.
والأنكى من ذلك أن دي ميستورا ظهر بمظهر المدافع عن الإرهاب والإرهابيين، مجافيا الحقيقة تجاه كل ما قدمته الحكومة السورية لجهة فتح الممرات الآمنة لخروج الأهالي من أحياء حلب الشرقية والسماح لمن يرغب من "المسلحين" بالخروج من هناك، إضافة إلى تجاهله استعداد الحكومة السورية تأمين المساعدات الإنسانية للأهل المحاصرين من قبل التنظيمات الإرهابية التي تطلق عليها واشنطن "معارضة معتدلة". ويبدو أن المبعوث الأممي ضاق ذرعا بالقناع الذي كان يضعه على وجهه وأبى أخيرا إلا أن يخلعه ليرى العالم أجمع مدى بشاعة الوجه الحقيقي له ولمشغليه من قوى استعمارية دعمت ولا تزال تدعم الإرهابيين في جرائمهم وسفكهم لدماء أبناء الشعب السوري.
من المؤكد أن هذا الاقتراح ليس من بنات أفكار المبعوث الأممي، وعلى الأغلب تم تلقينه إياه من قبل الإدارة الأمريكية التي خبرت صمود السوريين، فحاولت هذه المرة أن تلتف وتأتي بطريقة جديدة، ففشلت بالضربة القاضية بعد أن قوبلت برفض كامل وتمسك بوحدة التراب السوري مهما بلغ الثمن، فسورية لن تسمح لأحد مهما بلغت قوته وجبروته أن يتجاوز الخطوط الحمراء التي حددتها، وأبناء سورية لم يقدموا التضحيات الجسام لكي يسمحوا لـ دي ميستورا أو مشغليه أن يحددوا ما على السوريين فعله.
بكل الأحوال فقد فشل دي ميستورا في محاولته إنقاذ الإرهابيين في حلب، وقد غادر دمشق بعد أن سمع ما كان يجب أن يسمعه، ونعتقد جازمين أن الرسالة قد وصلت إليه، خصوصا مع قرب حدوت متغيرات دولية كبيرة قد تقلب المشهد السياسي والميداني رأسا على عقب، خصوصا في واشنطن، والتغيرات المتوقعة في فرنسا مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية هناك، والخروج المذل الذي يراه المراقبون قريبا جدا لفرانسوا هولاند من قصر الاليزيه.
في الوقت الذي تستمر فيه الألاعيب السياسية ومحاولات إنقاذ المجموعات الإرهابية، يواصل بواسل الجيش العربي السوري توجيه ضرباتهم القاصمة على التنظيمات الإرهابية وتحقيق الانتصارات في أرض الميدان، وبالأمس تمت استعادة السيطرة بشكل كامل على مساكن هنانو والمنطقة المحيطة بها في حلب بعد القضاء على آخر تجمعات الإرهابيين فيها.
بالمحصلة فإن الميدان الذي يسجل فيه بواسل الجيش أروع الانتصارات، هو من يضع حدا لكل العابثين بدماء أبناء الشعب السوري، ولكل المرتزقة القادمين من أربع جهات الأرض، والذين لا خيار أماهم سوى الاستسلام أو الهروب من أرضنا الطاهرة التي لفظت عبر تاريخها الطويل كل مجرم وآثم.