لا تنازل عن حقوق العمال .... القادري لـ البعث : نحن والحكومة في خندق وطني واحد
صدق نزار قباني عندما قال: “دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي أشكو العروبة أم أشكو لك العربـا” ماقاله نزار منذ سنوات والشكوى التي أطلقها آنذاك يتطابق اليوم مع الفعل المشين الذي قامت به السلطات الكويتية برفضها منح تأشيرات الدخول اللازمة لوفد الاتحاد العام لنقابات العمال المشارك في الدورة الثانية والأربعين لمؤتمر العمل العربي التي عقدت في منتصف الشهر الحالي، ويؤكد في الوقت ذاته ضخامة التحديات والمسؤوليات التي تواجهها الحركة النقابية السورية في مواجهة تلك الأنظمة الضالعة بشكل مفضوح في تمويل العصابات الإرهابية المسلحة ومواقفها المعادية لسورية، كما يثبت صمت إدارة منظمة العمل العربية التي كان من المفترض منها أن تدين وترفض وتأخذ موقفاً واضحاً من الإجراء الرسمي الكويتي.. إن ما تسمى جامعة الدول العربية والمنظمات المنبثقة عنها ما هي إلا أدوات رخيصة معادية ليس لسورية وحدها بل لجميع العرب .
هذا الموقف كان البوابة التي دخلنا من خلالها إلى الأفكار والرؤى والمواقف النقابية التي تعمل القيادة النقابية الجديدة بكل جد لتحويلها إلى واقع معاش خلال المرحلة القريبة القادمة، حيث يسابق المكتب التنفيذي الزمن ويكثف جهوده لساعات عمل تصل إلى العشرين ساعة يومياً في متابعة مختلف القضايا العمالية والبحث عن كل مامن شأنه توطيد الشراكة البناءة مع مختلف الجهات الحكومية بتوجهاتها المعيشية والعمالية وبشكل يثبت قدرة الحركة العمّالية والنقابية على استعادة المبادرة والنهوض من جديد، بالرغم من شراسة الهجمات على كل ما يمثل الحياة في سورية.
وبصراحة حوارنا مع جمال القادري، رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال، الذي يؤمن بالعمل الجماعي والمؤسساتي منحنا فرصة التعرف على رؤية نقابية طبقية مؤسساتية قارئة ولعقود طويلة للواقع السوري بكل تفاصيله ومناحيه، وتعتمد حياة المواطن كبوصلة في وضع الاستراتيجيات واستطاع خلال أكثر من ساعة من الحوار وضع الكثير من العناوين والأولويات بحرفية تامة ورسم خارطة الطريق للمعالجات والحلول التي تستحق الاهتمام والتقدير كونها مرتبطة بوقائع وشهادات حية من داخل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والنقابية العمالية والمعيشية .
هذا دورنا
يتفاءل القادري بأن المستقبل سيكون صناعة سورية بامتياز، وليؤكد على أن الطبقة العاملة السورية وحركتها النقابية التي امتلكت تاريخاً أبيض ومشرفاً في القضايا الوطنية ستقف دائماً في خندق الصمود لمواجهة الحرب الكونية التي تستهدف الشعب السوري بكل مكوناته، فالحرب الظالمة الظلامية تسعى الآن لضرب الاقتصاد الوطني بعدما فشلت في تحقيق مأربها على الصعيد السياسي والعسكري، وقال أيضاً :هذا يفرض علينا مضاعفة الجهود لاستمرار العملية الإنتاجية وتأمين متطلبات شعبنا الصامد في ظل حصار اقتصادي وعقوبات ظالمة فرضها من يدعون اهتمامهم بحقوق الإنسان، وفرضت لتجويع الشعب السوري الذي يدفع ضريبة الدفاع عن سيادته الوطنية ومقاومته ووقوفه المشرف والبطولي في وجه المؤامرة بأذرعها الإرهابية الإجرامية التي دمرت وخربت المنشآت الاقتصادية وعملت على تقطيع أوصال الاقتصاد وسرقة موارده وبيعها في الدول المجاورة، ومن هنا اتخذت الطبقة العاملة قرارها بحمل مسؤولية النهوض مجدداً، والانطلاق لإعادة الإعمار وبناء المستقبل على أسس وطنية متينة وراسخة بعد تحقيق الانتصار على جبهة الإرهاب، ومن ثم تشخيص مكامن القوّة والضعف وتحديد الأولويات التي استمدتها من خطاب القسم، لتوجه من خلالها بوصلة الإسهام في رفد ودعم وحدتنا الوطنية وتحقيق المكاسب العمالية والنقابية، رغم قسوة الظروف من حولنا.
العناوين العريضة
ومع ارتداد صدى كلماته المتفائلة في كافة أنحاء المكتب أخذ الحوار معه شكلاً تفاعلياً ساعدنا في تلمس خطوات العمل النقابي بعناوينه العريضة الداعمة التي تضمنتها القرارات (31 ) الصادرة عن المؤتمر السادس والعشرين الشاملة لكافة جوانب العمل النقابي وفي مجال القضايا الوطنية حيث كان هناك، بحسب ماذكر القادري، قرار بحشد كافة الإمكانيات الشعبية لتصليب صمود الشعب السوري، كما اعتبر انعقاد المؤتمر السادس والعشرين وإتمام الدورة الانتخابية رسالة تحد إلى العالم أجمع من قبل أوسع شريحة تمثل الشعب السوري الذي لم ولن يرضخ للضغوط والإملاءات من أي جهة كانت .
العمل مستمر
القادري الذي تمسك بالعمل النقابي الميداني وحث جميع النقابيين على الاقتراب أكثر من العمال والاطلاع على واقعهم وظروفهم وتقديم المساعدة، تحدث عن مأسسة العمل النقابي من خلال إحداث مركز الأبحاث العمالية والنقابية، وهو معني بتقديم الإحصاءات والدراسات الخاصة بالطبقة العاملة والمرأة العاملة، نظراً لعدم وجود أي جهة قادرة على إعطاء معلومات دقيقة بهذه القضايا، وتفعيل مراكز الخدمات الاجتماعية ومأسسة العمل النقابي الخدمي من خلال مؤسسة الرعاية الصحية التي ستندمج فيها كل المشاريع العمالية النقابية لتقديم أجود الخدمات والارتقاء بدورها للوقوف إلى جانب العمال في هذه الظروف الحياتية والعمالية الصعبة، وسيُحدث أيضاً مشفى عمالي وجامعة ومدارس في مجمع صحارى العمالي، وكل ذلك بأسعار تناسب الإخوة العاملين.
تقديراً لتضحياتهم
الطبقة العاملة التي بقيت صامدة في خندق المقاومة دفعت في الحرب ضد الإرهاب خسائر بمئات الملايين من الليرات السورية وحوالي 5000 شهيد وهذا ليس غريباً، فقد كانت خلال التاريخ في مقدمة القوى الوطنية التي صنعت الاستقلال، كما دافعت وضحت في سبيل الحرية والاستقلال، بنت الصروح والمنشآت، وعززت مقومات الصمود، وصنعت بنضالها إلى جانب كافة فئات الشعب السوري حاضر سورية المشرق ومستقبلها الذي يعنون دائماً بالمزيد من التطور والتقدم.
هذه الكلمات التي قالها القادري بلهجة الثقة بالنصر جاءت إجابة على تساؤلاتنا حول رعاية النقابات لأسر الشهداء وماقدمته لهم وقبل أن يطلعنا رئيس الاتحاد العام على الإجراءات المنفذة بهذا المجال، أشاد بالصمود الأسطوري والدور الاستثنائي لعمال بلدنا الذين على الرغم من الهجمة الشرسة والأساليب القذرة والوحشية التي استخدمت للنيل من صمودهم عبر استهدافهم المباشر وتدمير وتخريب منشآتهم وسرقة آلاتهم، إلا أن ذلك لم يثن من عزيمتهم أو يحبط من معنوياتهم وإصرارهم على تخطي هذه المرحلة الصعبة والخطيرة، بل عملوا على شحذ الهمم ومواصلة العمل والإنتاج.
وقال: انطلاقاً من الدور التاريخي للتنظيم النقابي ممثلاً بالاتحاد العام لنقابات العمال ووفاء لشهداء الطبقة العاملة وذويهم والجرحى الأبطال تم إحداث مكتب مركزي لشؤون الشهداء والجرحى بالقرار رقم 18 تاريخ 8/2/2015 وفروع له في كل اتحاد عمال محافظة بحيث يهتم بكافة القضايا الحياتية والاجتماعية والمادية والمعنوية لأسر شهداء العمال.
لمصلحة العمال
وكشف القادري عن العديد من القرارات الخاصة بتعديل كافة القوانين المتعلقة بالعمل والعمال كقانون العمل رقم 17 الذي ينظم العلاقة بين عمال القطاع الخاص وأرباب العمل بحيث تزال كل المواد التي تسرح بشكل تعسفي، وسيوقع القانون قريباً، وهناك قرار بتوسيع المظلة النقابية لتشمل عمال القطاع الخاص لإفادتهم من المزايا المنظمة ولحماية حقوقهم، وسيتم تعديل القانون 50 الناظم لعلاقات العمل في القطاع العام، وفيما يتعلق بقانون التنظيم النقابي لعام (1968) لفت إلى أنه بحاجة لتعديل وإدخال كل ما يواكب المتغيرات، بحيث يصبح هناك تشريع عصري وشفاف يمنح صلاحيات ومرونة في العمل للجنة النقابية في كل مواقع ومفاصل العمل، إضافة إلى تفريغ بعض أعضائها، وتطرق إلى وجود مطالبة بتغيير المرسوم المتعلق بتقييم أداء العاملين في الدولة فبعد 10 سنوات على صدور مرسوم تقييم أداء العاملين رقم 322 لعام 2005 لم يكن هناك أي أثر إيجابي للعمل بهذا المرسوم على العمل والعمال، لذلك بات من الضروري مراجعته كون الآثار المترتبة عليه لجهة الضرر مستمرة مدى الحياة، ولذلك وكاتحاد عام يرى في إعادة النظر فيه ضرورة .
دون إبطاء
في سنوات ما قبل الأزمة كان التنظيم النقابي يصر على أهمية وضرورة إصلاح القطاع العام، وبدخول بلدنا في متاهة الأحداث زاد إصراره وإيمانه بأهمية هذا القطاع، هذه القناعات والمواقف الثابتة أكدتها دعوة القادري إلى البدء الفوري دون إبطاء بصيانة وإصلاح مادمر في القطاع العام الذي تشكل المحافظة عليه ضرورة سياسية واقتصادية واجتماعية ووطنية بعدما أثبتت الأحداث دوره الأساسي في تدعيم مقومات الصمود والمقاومة، وعاد إلى الماضي القريب ليسترجع منها الرؤية النقابية ومواقفها الرافضة لدعوات خصخصته وبيعه، وإصرارها على إصلاحه وتوسيع مشاركته الاقتصادية والتي كانت نتيجة لمعرفتها وتقديراتها لأهمية وجوده في حال التعرض لمثل هذه المؤامرة الكونية، فقد ساهم ماتبقى من منشآته الاقتصادية والإنتاجية في دعم دولة المقاومة وجسد اقتصاد المقاومة، ولذلك، والكلام للقادري: لن نطالب بالتوسع في هذا القطاع، رغم أنه ضرورة، بل بتشغيل الموجود حالياً وإصلاح الإضرار، كما نطالب بدعم الصناعيين، وذلك لتحقيق الاعتماد على الذات.
علاقة استثنائية
وخلال الحوار حاولنا مباغتة القادري من باب السؤال عن العلاقة مع الحكومة، إلا أن ردة فعله كانت ناضحة بالعقلانية، ونابضة بالموضوعية والفهم الدقيق لخصوصية المرحلة، دون التنازل عن الدور النقابي، واستطاع الهروب من ذلك الفخ الإعلامي، والإفلات من قبضة التشنج التي كنا ننتظر صداها عبر مواقف غاضبة ترمي الكرة في الملعب الآخر، وتثبت في الوقت نفسه الذات النقابية، وقد اكتفى ببضع كلمات مختصرة في العدد، وغنية بالمضمون، فأوضح العلاقة بين المنظمة النقابية والحكومة عندما قال: اليوم نعيش تحدياً، والأعداء لا يفرقون بين الحكومة وهيئات المجتمع المدني، والقذائف لا تفرق بين حكومة ومنظمة أهلية، ولذلك نحن في القضايا الوطنية مع الحكومة في خندق واحد، نحن ندرك تماماً الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها، وإذا كان الانتقاص من حقوق العمال لأسباب إدارية أو مزاجية، فلن نهادن، وسنقف إلى جانب العمال، أما إذا كان سبب ذلك الظروف الاستثنائية فمواقفنا ستكون مرهونة بالواقع الراهن، ونعدكم بأن صوتنا سيصل إلى الحكومة ولصانع القرار، كما نعد بتغيير جذري في المجالس الإنتاجية، ولن تكون هناك محسوبيات، وسنختار من يمثّل النقابات بجدارة، ويكون له حضور مشرف وحقيقي، فاستثنائية المرحلة تفرض استثنائية القرار، والسلوك، والأداء.
مبادرات هامة
وسألنا القادري حول مستقبل العمال المعينين من: (موسميين- مياومين – فاتورة) على أعمال دائمة، فأكد أن هؤلاء العمال تم استخدامهم وفق مبررات للجهات العامة، ولضرورات العمل، وفي الغالب تم استخدامهم على أعمال دائمة، ولا مجال للاستغناء عنهم لحاجة المؤسسات لهم، وهذا ما وضعه القادري في خانة الخلل الإجرائي الذي تقوم به بعض الإدارات، واستشهد بما تم تحقيقه لعمال معمل اسمنت طرطوس بالتعاون بين الاتحاد العام لنقابات العمال ورئاسة مجلس الوزراء، والذي أثمر بتنظيم عقود استخدام سنوية.
وتابع القادري ليقول لنا: نحن بدورنا في الاتحاد العام نقوم بإعداد قاعدة بيانات دقيقة عن عدد العمال الخاضعين لهذه الحالات، وتسوية أوضاعهم بالتعاون مع الجهات صاحبة العلاقة، ولاحقاً سنقوم بالعمل على إعداد قاعدة بيانات وإحصائيات حقيقية بالنسبة للعمال الموسميين في شركات ومؤسسات وإدارات القطاع العام ليصار إلى تسوية أوضاعهم بالتعاون والتنسيق مع الجهات المختصة.
قراءة اقتصادية
الواقع الاقتصادي في ظل الحرب الشرسة التدميرية التي استهدفت تخريب وتدمير وسرقة المنشآت الاقتصادية، وحرق المخازن الاستراتيجية، وسرقة ما يمكن سرقته، إضافة إلى الحصار الاقتصادي أحادي الجانب الذي فرضته دول العدوان على سورية، كان حاضراً أيضاً في حوارنا مع القادري الذي أشاد بقوة الدولة التي لاتزال ملتزمة بتأمين مستلزمات واحتياجات المواطن من حاجاته الأساسية والضرورية للمعيشة رغم كل التحديات الناتجة عن مواجهة الإرهاب والعصابات المسلحة.
وأضاء القادري في حديثه على الخلل الواضح في الميزان المعيشي الذي يتجسد في الهوة الواسعة بين الدخل وبين الأسعار الجنونية للمواد الاستهلاكية والغذائية، خاصة أن الزيادات التي دخلت على رواتب العاملين لم تستطع تأمين الحد الأدنى للاستقرار الاقتصادي للأسرة السورية!!..وألقى بمسؤولية ما يحصل في الأسواق على ضعف أداء هيئات المحاسبة والرقابة الحكومية، وتراخي المؤسسات الرسمية المسؤولة عن مراقبة الأسواق والأسعار، وفي مقدمتها حماية المستهلك والتموين والتجارة الداخلية، فالأسعار غير منضبطة، والمؤسف في رأي القادري أن الزيادات في الأسعار تفتقد إلى المعيار العلمي والموضوعي، فهي تتحرك صعوداً عند كل زيادة في سعر العملة الأجنبية، والغريب أن تجار الأزمة يربطون الأسعار بهذه العملة، ومن هنا فعلى الحكومة البحث عن طريقة وبشكل حازم وصارم لضبط الأسعار ووقف جشع بعض التجار الذين قضوا على الشريحة متوسطة الدخل، والتي باتت دون خط الفقر، وهذا يولّد ظواهر اجتماعية وأخلاقية تؤثر بشكل سلبي على المجتمع.
في عيدهم
في الدقائق الأخيرة من حوارنا وجّه القادري رسالة تهنئة للطبقة العاملة السورية التي تشارك عمال العالم بعيد الأول من أيار فقال: “نؤمن بكم وبعملكم وبقدرتكم على صنع المستقبل، ونقدّر الروح الوطنية التي دعمت عزيمتكم، وعززت إصراركم على مواصلة العمل والإنتاج، وحافظتم على مؤسساتكم وشركاتكم التي تعملون بها، ونعتز بدوركم، وأنتم من أخذ على عاتقه العمل دون كلل أو ملل بكل الوسائل لتأمين كل مقومات الصمود، وما يحتاجه الشعب السوري المقاوم، وبذلتم المزيد من الجهود لتكونوا في موقعكم الطبيعي خلف القوات المسلحة، وفي خندق المقاومة، فكل عام وأنتم وبلدنا وقيادتنا الحكيمة بخير، وأملنا كبير بالنصر، وهو فعل إيمان”.
بشير فرزان